العدوى: انتقال المرض من إنسان أو حيوان إلى آخر بالمخالطة به أو بشيء من آثاره، والطيرة: التشاؤم، والهامة بتخفيف الميم، كانت العرب تزعم أنها طائر يصيح على قبر القتيل قائلًا: اسقونى اسقونى حتى يؤخذ بثأره، وقيل: هى البومة إذا وقفت على دار أحدهم يرى أنها ناعية له نفسه أو بعض أهله. وصفر: هو الشهر المعروف، كانوا يتشاءمون بحلوله لما يتوهمون أن فيه تكثر الدواهى والبلايا والفتن، أي بعد انقضاء الأشهر الحرم ذى القعدة وذى الحجة والمحرم التى كانوا يأمنون فيها من الغارات، وكانوا إذا اضطروا إلى القتال في المحرم أحلوه وسموه صفرًا والذى بعده المحرم، وهو النسئ المذكور في القرآن، فصار صفر علامة على الشر عندهم فنسبوا الشؤم له. وقد أبطل الدين الحنيف كل هذه الأوهام على لسان رسوله الصادق
الأمين صلوات الله وسلامه عليه، وصحح عقائدهم وبين لهم أنه لا تأثير لغير الله، بل التأثير له تعالى وحده.
فإن قال قائل: كيف توفق لنا بين قوله صلوات الله سلامه عليه في آخر هذا الحديث: "وفر من المجذوم فرارك من الأسد" وبين قوله في أوله: "لا عدوى"، وأكله مع المجذوم وقال:"ثقة بالله وتوكلًا عليه" أخرجه أبو داود والترمذى.
فالجواب: أن المراد بنفى العدوى نفى أن شيئًا يعدى بطبعه ردًّا لما كانت تعتقده الجاهلية من أن الأمراض تؤثر بطبعها من غير إضافة إلى اللَّه تعالى فأبطل اعتقادهم ذلك؛ وأكل مع المجذوم ليبين لهما بفعله أن الله تعالى هو الذى يمرض ويشفى ويعافى، ونهاهم عن الدنو من المجذوم ليبين لهم أن هذا من الأسباب التى أجرى الله تعالى العادة بأنها تفضى إلى مسبباتها، ففى نهيه إثبات الأسباب وفى فعله إشارة إلى أنها لا تستقل بنفسها، بك الله تعالى إن شاء سلبها خواصها فلا تفيد شيئًا، وإن شاء رتب علمها أثرها.
وانظر قوله صلوات الله وسلامه عليه لهذا الأعرابي الذى كان يزعم تأثير العدوى بنفسها، وكيف أبطل عليه اعتقاده وأسكته. روى البخارى من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال أعرابى: يا رسول الله فما بال إبلى تكون في الرمل كأنها الظباء فيدخل بينها البعير الأجرب فيجربها؟