(ومنها): ليلة النصف من شعبان على زعمهم، فإن السلف الصالح لم يكن لهم عادة بتخصيص يوم أوليلة بالعبادات إلا إذا ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام، فجاء بعدهما هؤلاء وعكسوا الحال كما جرى منهم في غيرها، فاجتمعوا عقب المغرب لصلاة وقراءة ودعاء تقلد فيه العامة إمام المسجد مع التحريف فيه ومع مخالفته لصريح القرآن الكريم، ومع بعد القلب من الخشية والخضوخ المطلوب حال الدعاء، يأتون ذلك زاعمين أنه من أعظم القربات وأكبر البركات حتى أنهم يتشاءمون من فوته، ولم يصح في ذلك شيء من رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -، وحديث:"ينزل ربنا إلى سماء الدنيا" متكلم فيه كما سيأتى في ليلة النصف من شعبان (١). وأول من أحدث إيقاد النار والشموع وغيرها في هذا الموسم البرامكة فأدخلوا في دين الله ما أوهموا به العوام أنه من سنن الإيمان، ومقصودهم عبادة النار وترويج دينهم فعليهم وزر ذلك.
(ومنها): ليلة القدر ولا شك أن إحياءها مستحب كسائر ليالى الشهر خصوصًا ليالى العشر الأواخر منه وقد صحت الأحاديث في ذلك، فعن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أنه قال:"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه. قام رمضان: أحيا لياليه بالعيادة، وعن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله" رواه البخارى، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر" رواه البخارى، وعن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل كله وأيقظ أهله وجد شد المئزر" متفق عليه. والمئزر: الإزار، وهو كناية عن اعتزال النساء، وقيل: المراد تشميره للعبادة. ويجوز أن يكون كناية عن الأمرين، يقال: شددت لهذا الأمر مئزرى، أي تشمرت وتفرغت له، وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسايًا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.
(١) وسيأتى بسط الكلام على ليلة النصف من شعبان في الفصل السابع.