للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما القبول (١) فلا يشترط عند عامَّة الفقهاء، لأن بناء الباب على التَّوسعة، فيكفي السُّكوتُ، ولكن يشترط مع السكوت ما يشعر بالقَبول، وهو الكفُّ عن القتال؛ وتكفي إشارةٌ مُفْهِمَةٌ للقبول ولو من ناطقٍ. هذا إذا لم يَسْبِقْ منه استيجابٌ، فإن سبق منه لم يحتجْ للقبول جزمًا. (٢)

وسنذكر في (الأثر السادس) كلامًا للسَّرَخْسيِّ رحمه الله في أنَّ الأمان يكون ملزمًا للمسلم وإن كان حصل عليه بالكناية، أو بالكذب والحيلة.

ويؤكد صحة ذلك ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الاعتداد بالأمان بأقلِّ ما يتصور انعقاده به، وذلك تعظيمًا لشأن الأمان، وتغليبًا لجانب حَقْنِ الدِّماء:

عن أبي عطيَّة قال: كتب عُمرُ إلى أهل الكوفة أنَّه ذُكِرَ لِي أن «مَطَّرْس» بلسان الفارسية: «الأَمَنَةُ»، فإن قلتموها لمن لا يفْقَه لسانَكم فهو أَمْنٌ. (٣)

وعن أبي وائلٍ قال: أتانا كتابُ عُمرَ ونحن بخانَقِينَ (٤): إذا قال الرَّجلُ


(١) القبول: الرضى بالشيء، وميل النفس إليه. وفي الاصطلاح الفقهي: ترتُّب الغرض المطلوب من الشيء على الشيء. كقول المشتري: قبلت، ونحوه. انظر: «المطلع على ألفاظ المقنع» ٢٧١، «القاموس الفقهي لغةً واصطلاحًا» (مادة: قبل).
(٢) «شرح السير الكبير» للسرخسي (١/ ٢٨٣)، و «المغني» لابن قدامة (١٣/ ١٩٢:١٦٨٤)، و «بدائع الصنائع» للكاساني (٧/ ٢٨٩)، و «الموسوعة الفقهية» (٣٧/ ١٦٨) (مادة: مستأمن).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنَّف» (٣٤٠٨٢) بإسناد صحيحٍ، وأبو عطية هو الوادعيُّ الهمْدَانيُّ الكوفيُّ، ثقة فاضل، من كبار التابعين. مترجم في «تهذيب الكمال» (٣٤/ ٩٠:٧٥١٦).
(٤) بلدةٌ إلى الشمال الشرقيِّ من بغداد، ما زالت عامرة وتعرف بهذا الاسم، وتتبع محافظة ديالى.

<<  <   >  >>