للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(٣)

إنَّ هذا البحثَ يهدف إلى بيان جانبٍ من عظمة شريعة الإسلام من خلال استحضار بعض ما ورد فيها من قواعد وأحكام تتعلَّق بدخول المسلم في أمان غير المسلمين.

إنَّ إقامة غير المسلمين في بلاد الإسلام كانت أمرًا شائعًا منذ العهد الأول، أمَّا إقامةُ المسلمين في بلاد غيرهم؛ فكانت حدثًا نادرًا وعارضًا في القرون الماضية وحتَّى عهدٍ قريبٍ، فليس من المستغرب ـ إذَنْ ـ أن تزخر كتبُ الفقه ببحوثٍ مطوَّلةٍ عن أحكام إقامة غير المسلمين في بلاد الإسلام، سواء كانت الإقامة مؤقتةً أو دائمةً، ولكن قد يكون مستغربًا أن تزخر تلك الكتب ببحوث وافية عن أحكام إقامة المسلمين في بلاد غيرهم؛ ولكنَّ هذا الاستغرابَ ينبغي أن يتلاشى بعدَ ما ذكرناه من سَعَةِ الشَّريعة وشمولها وصلاحها لكلِّ زمانٍ ومكانٍ.

ومن هنا فإنَّ هذا البحثَ يهدفُ إلى تعريف المسلم المقيم في بلدٍ لغير المسلمين ببعض الأحكام الشرعيَّة التي يجبُ عليه معرفتُها والالتزامُ بها ومراعاتُها قَدْرَ استطاعته، كما أنَّه يهدف إلى تعريف غير المسلم ببعض ما تضمنته الشريعة السَّمْحَة من أحكام رائعة مبنيَّة على قاعدة الصِّدق والعدل والوفاء والإحسان.

ومن أجل تقديم مادَّة علميَّة موثَّقة؛ فقد حرصتُ على نقل كلام فقهاء الإسلام من الكتب المعتمدة، وذكرت تعريفًا موجزًا بكلِّ واحدٍ منهم، مع ذكر سنة الوفاة بالتاريخين الهجري والميلادي، ليكون لدى القارئ تصوُّرٌ واضحٌ عن صاحب النصِّ وعصره، ويُدركَ أنَّ هذه النصوص صدرتْ عن أشهر علماء الإسلام في وقتٍ كانت دولتهم فيه أعظمَ دول العالم وأقواها، ومع ذلك لم يُخرجهم شعُورهم بالفَخْرِ والعزَّة والغَلَبَة عن موجبات الحقِّ والعدل والرحمة، لأنَّهم كانوا يتقيَّدون في آرائهم بأحكام القرآن الكريم والسنة النبوية.

<<  <   >  >>