فإذا تجلَّى لك هذا المفهومُ الواسعُ والشَّاملُ للشريعة؛ علمتَ أنَّ المسلمَ يستطيعُ الالتزام بأهمِّ أحكامِ الشَّريعة وأكثرِها، والعمل بها، وإن كان مقيمًا في بلدٍ لغير المسلمين، ولا تفوته من الشَّريعة إلا الأحكامُ الخاصَّة بمجتمع المسلمين ودولتهم.
ثم إنَّ في القانون السويديِّ جملةً كبيرةً من الأحكام الموافقة للشريعة؛ مثل احترام النفس البشرية بغضِّ النظر عن الدِّين والجنس والعرق واللَّون؛ فالاعتداء عليها بالقتلِ أو بما دونَهُ جريمةٌ تستلزمُ العقوبةَ، وإيجابِ نفقةِ الأولاد على والدهم تُدفع للأمِّ الحاضنة، ومنعِ البغاءِ والمخدِّراتِ ومنها القاتُ ـ الذي يُستباح في بعض دول المسلمين! ـ، وتكفُّلِ الدولةِ بالتعليم والخدماتِ الصحية، وضمانِها للحدِّ الضروريِّ من المسكن والمأكل والملبس لجميع مواطنيها.
وفي القانون السويديِّ ـ أيضًا ـ جملةٌ كبيرةٌ من الأحكام غير المنافية للشريعة؛ مثل أنظمةِ المرور والأعمالِ والصَّنائعِ، وأغلبِ ما يتعلَّق بتنظيم الحياة المدنيَّة التي تحقِّقُ مصالحَ للفرد والمجتمع، وتعمل على سَيْرُورةِ حركتهما وتطورهما.
وبهذا ندركُ أنَّ «الشريعةَ» هي المنظومةُ الكاملةُ التي تحمل المسلمَ على الاعتقاد الصَّحيح، والعبادة الخالصة لله تعالى وحده، والتزام الحقِّ والعدل والصِّدق والوفاء والرحمة والإحسان في معاملة الخلق، وتوجِّهُهُ إلى الأخلاق الحسنة والسلوك القويم. فكلُّ ما في المسلمين من خيرٍ وحقٍّ وصوابٍ فهو من بركة علمهم بهذه الشريعة وعملهم بها، وكلُّ ما فيهم من شرٍّ وباطلٍ وخطإٍ فهو من شُؤْم جهلهم بهذه الشريعة أو عدم عملهم بها. فلا عجبَ أنْ تَصْدُرَ بين الحينِ والآخر دعواتٌ إلى الاستفادة من الشريعة الإسلامية يُطلقُها بعضُ كبار علماء السياسة والقانون والاقتصاد والاجتماع من غير المسلمين.