للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابنُ هشام (١): «إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لما انصرف عن أهل الطائف، ولم يُجيبوه إلى ما دعاهم إليه من تصديقه، ونصرته، صارَ إلى حِرَاءَ، ثم بعَثَ إلى الأَخْنَسِ بن شَرِيقٍ ليُجِيرَهُ، فقال: أنا حليفٌ، والحليفُ لا يُجير. فبعث إلى سُهَيل بن عمرٍو، فقال: إنَّ بني عامر لا تُجير على بني كعبٍ. فبعث إلى المطعم بن عديٍّ، فأجابه إلى ذلك، ثُمَّ تسلَّح المطعمُ وأهل بيته، وخرجوا حتى أتوا المسجدَ، ثم بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أَنْ ادْخُلْ! فدخل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فطاف بالبيت، وصلَّى عنده، ثم انصرف إلى منزله». (٢)

ومرَّت السَّنوات، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهاجرًا إلى المدينة، وماتَ المطعم بن عديٍّ على شِرْكِه، فرثاهُ شاعر الرسول - صلى الله عليه وسلم -: حسَّان بن ثابت رضي الله عنه، مسجِّلاً بشعره مواقفه النَّبيلة لتذكرها الأجيالُ قرنًا بعد قرنٍ، فقال أبياتًا منها:

أَيَا عَيْنُ فَابْكِي سَيِّدَ الْقَوْمِ وَاسْفَحِي ... بِدَمْعٍ وَإِنْ أَنْزَفْتِهِ فَاسْكُبِي الدَّمَا

وَبَكِّي عَظِيمَ الْمَشْعَرَيْنِ كِلَيْهِمَا ... عَلَى النَّاسِ مَعْرُوفًا لَهُ مَا تَكَلَّمَا

فَلَوْ كَانَ مَجْدٌ يُخْلِدُ الدَّهْرَ وَاحِدًا ... مِنْ النَّاسِ أَبْقَى مَجْدُهُ الْيَوْمَ مُطْعِمَا

أَجَرْتَ رَسُولَ اللهِ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا ... عَبِيدَك مَا لَبَّى مُهِلٌّ وَأَحْرَمَا

فَلَوْ سُئِلَتْ عَنْهُ مَعَدٌّ بِأَسْرِهَا ... وَقَحْطَانُ أَوْ بَاقِي بَقِيِّةِ جُرْهُمَا

لَقَالُوا هُوَ الْمُوفِي بِخُفْرَةِ جَارِهِ ... وَذِمَّتِهِ يَوْمًا إذَا مَا تَذَمَّمَا

فَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ الْمُنِيرَةُ فَوْقَهُمْ ... عَلَى مِثْلِهِ فِيهِمْ أَعَزُّ وَأَعْظَمَا


(١) أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري (ت: ٢١٣/ ٨٢٨): مؤرِّخ، كان عالمًا بالأنساب واللغة وأخبار العرب، ولد ونشأ في البصرة، وتوفي بمصر. أشهر كتبه «السيرة النبوية» المعروف بسيرة ابن هشام، هذَّب فيه سيرة ابن إسحاق. مترجم في «سير أعلام النبلاء» (١٠/ ٤٢٨:١٣١).
(٢) «السيرة النبوية» ١/ ٣٨١، وقصة دخول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في جوار المطعم بن عدي متفق عليها بين أهل السير والتاريخ.

<<  <   >  >>