للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَا لأَستغفِرَنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك». فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة: ١١٣]، وأنزل في أبي طالب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: ٥٦]. (١)

وهكذا كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وفيًّا شاكرًا لعمِّه في حياته وبعد موته، ولم يحمله موته على الكفر على نسيان جميله، والتنكُّر لإحسانه، بل توسَّل إلى ربِّه عزَّ وجلَّ للشفاعة له، شفاعةً خاصَّةً ليست إلا لَهُ، وهي تخفيف عذابه في جهنَّم، كما جاء في حديث العبَّاس بن عبد المطَّلب رضي الله عنه أنَّه قال للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ما أغنيتَ عن عمِّكَ؛ فإنه كان يَحُوطكَ ويغضبُ لك؟ قال: «هو في ضَحْضَاحٍ مِن نارٍ، ولولا أنَا لكان في الدَّرْك الأَسْفَلِ منَ النَّار». (٢)

وبعد موت أبي طالبٍ فَقَدَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المجيرَ والنَّصيرَ في مكَّة، فخرج إلى الطَّائف، فقابله أهلُها بالتَّكذيب والإيذاء، فرجع من الطَّائف، وقد اشتدَّ عليه الأمرُ، وعَظُمَ البلاءُ، ولم يمكنه الدُّخول إلى مكَّة لإيغال أهلها في إيذائه بعد موت أبي طالبٍ، فَبَعَثَ - صلى الله عليه وسلم - إلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ ليُجيرَه.


(١) أخرجه البخاريُّ في «الصحيح» (١٣٦٠)، ومسلم في «الصحيح» (٢٤) من طريق سعيد بن المسيِّب عن أَبيه: أنَّه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءَه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر الحديث.
(٢) أخرجه البخاريُّ في «الصحيح» (٣٨٨٣ و ٦٢٠٨ و ٦٥٧٢)، ومسلم في «الصحيح» (٢٠٩). وورد من حديث ابنه عبد الله بن عباس: أخرجه مسلمٌ (٢١٢). ومن حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ: أخرجه البخاريُّ (٣٨٨٥ و ٦٥٦٤)، ومسلم (٢١٠).
والضَّحضاحُ: في الأصل ما رقَّ من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين، فاستعاره للنَّار. قالَه ابنُ الأثير في «النِّهاية» (مادة: ضحضح).

<<  <   >  >>