حيَّاك ربُّك واصطحبت عصيدةً ... وإدامها زبد فزبد واندف
فقبَّل رجله وقال: جزاك الله خيراً! قال: ودخلتُ الحمَّام فوجدت رجلاً وسيماً فقلت: مانسبك؟ قال: لاأدري. قلت: ماأسمك؟ قال: عمرويه؟ قلت: فالصنعة؟ قال: حائك. فناولته ليفة وقلت: ادلك بهذا ظهري! وقلت " من الرمل ":
إنما أنت لحاك الله ... يا عمرويه جيفه
كنتُ أرجوك فعند اليأس ... ناولتك ليفه
لو كما تنقص تزدا ... د إذن كنت خليفه
وقال: كنتُ أنشد هذا البيت ولا أرى له ثانيا " من الوافر ":
أرى للكأس حقاً لاأراه ... لغير الكأس إلا للنديم
فسمعت بعض أصحاب الحمَّامات يوقد ويقول " من الوافر ":
هو القطبُ الذي دارت عليه ... رحا اللذات في الدهر القديم
قال: جاؤنا بقثاء كأنه أُيور المراهقين وموزٍ كأذرع الأبكار. - قال: وقرأ رجلٌ: (إنَّا أرْسَلْنا نُوحا) فأرتج عليه، فقال له نبطيُّ: خلفه إن لم يذهب نوح فأرسل غيره. - وقال: كلُّ ما عمل من الدروع بالعراق فهو الفارسي، وما عمل بالشام فهو السلوقي. - وكان إذا استثقل إنساناً أنشد " من البسيطط:
من يشتري ستةً مني بواحدةٍ ... أمَّن يبادلُ جيراناً بجيران
وسُئل: لمَ سمَّتَ العرب أولادها كلباً وذئباً وعبيدها ميموناً ومباركاً؟ قال: سمَّت أولادها لأعدائها وسمَّت عبيدها لأنفسها. - وقال: ماعرفتُ معنى قول الله تعالى: (حَصَبُ جَهَنَّمَ) حتى سمعت أعرابية تقول: حصبتُ التنَّور - أي أوقدته. - وقال: دهاة العرب أربعة: معاوية وعمرو ابن العاص والسائب بن ألقرع والمغيرة بن شعبة، وكلُّهم وُلد بالطائف. - وقال: قلتُ لأعرابي: خيرُ الغداء بواكره، فكيف في العشاء؟ قال: سوافره! يعني من قبل مغيب الشمس.
وقال: دخلت على الرشيد بعقبٍ علَّة، فقال: كيف أنت؟ فقلت: شفاني الله برؤية أمير المؤمنين، ولقد بتُّ بليلة النابغة! فقال: إنَّا لله، هو والله قوله " من الطويل ":
فبتُّ كأني ساورتني ضئيلةٌ ... من الرقش في أنيابها السُمُّ ناقعُ
فعجبت من ذكائه وفطنته.
قال الرشيد يوماً: أنشدونا أحسن ماقيل في العقاب! فعذر القومُ ولم يأتوا بشيء، فقال الأصمعي: من أحسنه " من البسيط ":
باتت يؤرقها في وكرها سغب ... وناهضٌ يخلسُ الأقواتَ من فيها
ثمّ استمرَّ بها عزمٌ فحدَّرها ... كأنما الريحُ هبَّتْ من خوافيها
ماكان إلا كرجع الطرف إذ رجعت ... ملأى تمطقُ ممَّا في أسافيها
ثمّ قال: وهذا امرؤ القيس يقول " من الطويل ":
كأن قلوبَ الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العُنَّابُ والحشفُ البالي
فقال الرشيد: لله درك، مامن شيء إلا وجدتُ عندك فيه شيئاً.
وقال: دخل العباس بن ألحنف على الرشيد وعنده الأصمعي، فقال: أنشدنا من ملحك الغريبة! فأنشده " من الهزج ":
إذا ماشئت أن تصنع ... شيئاً يعجبُ الناسا
فصور ههنا فوزاً ... وصور ثمَّ عبَّاسا
ودع بينهما شبرا ... وإن زدتَّ فلاباسا
فإن لم يدنوا حتى ... ترى رأسيهما راسا
فكذبها وكذبة ... بما قاست وما قاسى
فلمَّا خرج قال الأصمعي: مسترقٌ من العرب والعجم! فقال لي: ماكان من العرب؟ فقلت: رجلٌ يقال له عمر هوي جارية يقال لها قمر، فقال " من الهزج ":
إذا ما شئت أن تصنع ... شيئاً يعجب البشرا
فصور ههنا قمراً ... وصور ههنا عُمرا
فإن لم يدنو حتى ... ترى بشريهما بشرا
فكذبها بما ذكرت ... وكذبه بما ذكرا
قال: فما كان من العجم؟ قلت: رجلٌ يقال له فلق هوي جارية يقال لها روق، فقال " من الهزج ":
إذا ماشئت أن تصنع ... شيئاً يعجبُ الخلقا
فصور ههنا روقاً ... وصور ههنا فلقا
فإن لم يدنوا حتى ... ترى خلقيهما خلقا
فكذبها بما لاقت ... وكذبه بما يلقَّى