أو هل تراه أحاط علماً ... بالجسد المستكن فيه
لو يعلم القبر من يراري ... تاه على كلٍ مايليه
ياموت لو تقبل افتداءٍ ... لكنتُ بالنفس أفتديه
أنعى يزيداً لمعتفيه ... أنعى يزيداً لمعتريه
ياجبلاً كان ذا امتناع ... وركن عزٍ لآمليه
يانخلة طلعها نضيدٌ ... يقربُ من كفِ مجتنبيه
تحلو نعم عنده سماحاً ... ولم تطب قطُّ لابفيه
ويا مريضاً على فراشٍ ... تؤذيه أيدي ممرضيه
ويا صبوراً على بلاء ... كان به اللهُ يبتليه
يا موت ماذا أردت مني ... حققَّت ما كنتُ أتقيه
دهري رماني بفقد إلفي ... أذم دهري وأشتكيه
آمنك الله كلَّ روعٍ ... وكلَّ ما كنت تتقيه
قال: فدنوت منها. فقلت: من صاحب هذا القبر؟ قالت: والله لو علمت مكان أحدٍ ماتكلمتُ! قلت: فإن رأيت أن تعيدي الأبيات؟ قالت: سبحان الله، أوبلغ منك الجهل ما أرى؟ أقول لك: لو علمت مكان أحدٍ ما تكلمت! ثمّ تقول: أعيدي الأبيات!؟ قلت: فإني قد حفظتها، أنشدك؟ قالت: نعم! فأنشدتها، قالت: لعلك الأصمعي الذي يبلغنا خبره؟ فقلت: نعم! ثمّ انصرفت.
وقال: دخلتُ على الرشيد في الليل، فتذاكرنا أحوال القمر، فقلت: العربُ تقول إذا كان ابن ليلة: رضاعُ سخيله حِلَّ أهلها برميله. قيل: ماأنت ابن ليلتين؟ قال: حديثُ أمتين بكذب ومين. قيل: ماأنت ابن ثلاث؟ قال: قليلُ اللباث. قيل: فما أنت ابن أربع؟ قال: عتمةُ أمّ ربع غير جائع ولا مرضع. قيل: فابن خمس؟ قال: عشاءُ خلفات قعس - ويقال: حديثٌ وأنس. ويقال: سِر وأمس. قيل: ماأنت ابن ست؟ قال: سِر وبت - وقيل: تحدَّث وبت. قيل: فابن سبع؟ قال: دلجة ضبع - وقيل: أنسُ ذي الجمع. وقيل: حديثُ جمع. وقيل: يضفر في النسع. وقيل: يلتقطُ في الجزع. وقيل: الودع. وقيل: عشيَّة أهل جمع. قيل له: ماأنت ابن ثمان؟ قال قمرٌ إضحيان. قيل: ماأنت ابن تسع؟ قال: يثقبُ فيَّ الجزع ويقطع الشسع. قيل: فما أنت ابن عشر؟ قال: ثلثُ الشهر - وقيل: مخانقُ الفجر. وقيل: أوديك إلى الفجر. وقيل: أبادرُ الفجر. وقيل: ماأنت ابن إحدى عشره؟ قال: أطلع عشاء وأرى بُكره - وقيل: أغيبُ بسحره. قيل: ماأنت ابن إثنتي عشرة؟ قال: مؤنق للبشر بالبدو والحضر. قيل: ماأنت ابن ثلاث عشرة؟ قال: قمرُ باهرٌ لكل ذي ناظر. قيل: ماأنت ابن أربع عشرة؟ قيل: مقتبل الشباب أضيءُ مدجنات السحاب. قيل: ما ابن ست عشرة؟ قال: نقص الخلق بالغرب والشرق. قيل: ماأنت ابن سبع عشرة؟ قال: أمكنتُ المقتفره - قال ثعلبٌ: المقتفرةُ الذي يتبعُ الآثار، ومقفراته موضعه الذي يقصده. قيل: ماأنت ابن ثماني عشرة؟ قال: انبسط أهل العشرة. قيل: ماأنت ابن تسع عشرة؟ قال: بطيءُ الطلوع بين الخشوع. قيل: ماأنت ابن عشرين؟ قال: أطلع بسحره وأنتظر بالبهمه - قال ثعلب: وسط الليل. قيل: ماأنت ابن إحدى وعشرين؟ قال: كالقبس يرى بالغس. قيل: ماأنت ابن اثنتين وعشرين؟ قال: بطيء السُرى إلا ريث ماأرى. قيل: ماأنت ابن ثلاثٍ وعشرين؟ قال: أطلعُ في قتمه ولاأجلو الظلمه في قتمه - أي في غبار. قيل: ما أنت ابن أربع وعشرين؟ قال: لاقمر ولا هلال. قيل: ماأنت ابن خمس وعشرين؟ قال: دنا الأجل وانقطع الأمل. قيل: ماأنت ابن ستٍ وعشرين؟ دنا فلا يرى مني إلا شفا - أي بقية. قيل: ماأنت ابن سبع وعشرين؟ قال: أطلعُ بُكره ولا أرى ظهرا. قيل: ماأنت ابن ثمان وعشرين؟ قال: ضئيل لاصغير فلا يراني إلا البصير. قيل: ماأنت ابن تسع وعشرين؟ قال: أسبق شعاع الشمس. قيل: ماأنت ابن ثلاثين؟ قال: هلالٌ مستبين.
وقال: كنتُ بالبادية فنظرت إلى أعرابي في يوم شديد البرد، وقد حفر لنفسه حفرة في الأرض ودفن نفسه فيها وهو يقول " من الطويل ":
يا ربُّ هذا القُرُّ أصبح كالحاً ... وأنت بعدمي عالمٌ لاتعلمُ
فإن كنت يوماً ما جهنمَّ مدخلي ... ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم
قال الرياشي: كنا عند الأصمعي فجاءه رجلُ سكران وكان جارٌ له ندافاً، فقال له: امدحني بالجوار! فقال له " من الكامل ":