قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد ظن بعض الغالطين أن معنى الآية: أن الله والمؤمنين حسبك، ويكون {وَمَنِ اتَّبَعَكَ} رفعا عطفا على الله، وهذا خطأ قبيح مستلزم للكفر؛ فإن الله وحده حسب جميع الخلق.
كما قال تعالى:{الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}(١٧٣)[آل عمران: ١٧٣] أي: الله وحده كافينا كلنا.
وفي البخاري عن ابن عباس في هذه الكلمة: قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قال لهم الناس:{إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}(١٧٣)(١).
فكل من النبيين قال: حسبي الله، فلم يشرك بالله غيره في كونه حسبه، فدل على أن الله وحده حسبه ليس معه غيره.
ومنه قوله تعالى:{أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ}[الزمر: ٣٦]، وقوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ}[التوبة: ٥٩] الآية، فدعاهم إلى أن يرضوا ما آتاهم الله ورسوله، وإلى أن يقولوا: حسبنا الله، ولا يقولوا: حسبنا الله ورسوله. لأن الإيتاء يكون بإذن الرسول، كما قال تعالى:{وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}
[الحشر: ٧].
وأما الرغبة فإلى الله، كما قال تعالى: {فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ} (٨)[الشرح: ٧ - ٨].
وكذلك التحسب الذي هو التوكل على الله وحده. فلهذا أمروا أن يقولوا: حسبنا
(١) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، تفسير سورة آل عمران، باب الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ … الآية. انظر الصحيح مع الفتح (٨/ ٧٧).