فهم جميعا بهذا معتمدون لهذه القاعدة، وأقوالهم في إبطال تفاسير الباطنية التي أخرجت الألفاظ عن مدلولاتها كثيرة - سيأتي بعضها في الأمثلة إن شاء الله - تعالى -. ولم يعرض عن هذه القاعدة إلا الباطنية - قبحهم الله -؛ فلذلك سأكتفي هنا بذكر مقالتين لإمامين جليلين من أئمة الإسلام، اختصارا، واستغناء بما ظهر واشتهر من اعتماد مضمون هذه القاعدة.
أحدهما: شيخ الإسلام ابن تيمية.
فقد قعّد هذه القاعدة، وقررها أتم تقرير، وأصاب المحز في بيان وجه مخالفة المخالفين لها.
فقال - رحمه الله -: وأما النوع الثاني من مستندي الاختلاف، وهو ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل، فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين - حدثتا بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان
- «إحداهما» قوم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها، و «الثانية» قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب، من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن، والمنزلة عليه، والمخاطب به.
ف «الأولون» راعوا المعنى الذي رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان
وهم «صنفان» تارة يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به، وتارة يحملونه على ما لم يدل عليه ولم يرد به، وفي كلا الأمرين قد يكون ما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى باطلا، فيكون خطؤهم في الدليل والمدلول، وقد يكون حقا فيكون خطؤهم في الدليل لا في المدلول … -[وهؤلاء]- عمدوا إلى القرآن فتأولوه على آرائهم، تارة يستدلون بآيات على مذهبهم ولا دلالة فيها، وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه، ومن هؤلاء فرق الخوارج، والروافض، والجهمية، والمعتزلة، والقدرية، والمرجئة، وغيرهم