أحد عَن شِرَاء الْقَمْح مَا لم يُعْط أحدا من أعوان الْوَالِي مَالا ويبيت مَعَه بالسَّاحل وَكَانَ الْوَقْت شتاء فَإِذا اشْترى أردباً فَمَا دونه يحْتَاج إِلَى عون آخر يَحْرُسهُ ويحميه من النهابة. وَاسْتقر على كل أردب مبلغ خمسين درهما لمن يحميه وَلَا يَأْخُذ السمسار إِلَّا عشرَة دَرَاهِم بَعْدَمَا كَانَت عسرته خَمْسَة دَرَاهِم وَيَأْخُذ التراس أُجْرَة حمل الأردب خَمْسَة عشر درهما بَعْدَمَا كَانَت أجرته خَمْسَة دَرَاهِم وَإِذا وَردت مركب تحمل الْقَمْح إِلَى قريب السَّاحِل لَا يَجْسُر أَرْبَابهَا على عبور السَّاحِل خوفًا من النهب وَإِنَّمَا يُوقف بهَا فِي وسط النّيل فَيحْتَاج المُشْتَرِي أَن يركب إِلَيْهَا فِي مركب يسير بِهِ ثمَّ يعود بِهِ وَبِمَا اشْتَرَاهُ بِأُجْرَة يتَكَلَّف لَهَا وغرقت مركب فِيهَا جمَاعَة كَثِيرَة مِمَّن عدى من السَّاحِل ليَشْتَرِي من قَمح وصل فِي مركب قد وقفت فِي وسط النّيل فغرق مِنْهُم نَحْو الْعشْرين مَا بَين رجل وَامْرَأَة فَلم يقدر عَلَيْهِم. وَمَات عدَّة من النسوان فِي الزحمة بالأفران وَتجَاوز الْقَمْح الثلاثمائة دِرْهَم كل أردب سوى كلفه وتقرب من مائَة دِرْهَم وَيحْتَاج فِي غربلته وطحنه إِلَى مائَة أُخْرَى فَيقوم بِنَحْوِ خَمْسمِائَة دِرْهَم. فَلَمَّا اشْتَدَّ الْأَمر خرج قَاضِي الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين أَبُو الْفضل عبد الرَّحْمَن بن البُلْقِينِيّ لَيْسَ تسقى بِالنَّاسِ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشره وَمَعَهُ عَالم لَا يحصيهم إِلَّا خالقهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَسَار من منزله مَاشِيا وَمَعَهُ الْأَمِير التَّاج حَتَّى خرج من بَاب النَّصْر إِلَى الترب فَانْطَلَقت الْأَلْسِنَة بِكُل سوء فِي حق التَّاج وَلم يبْق إِلَّا أَن يرْجم فاختفى وَمضى شيخ الْإِسْلَام بِالنَّاسِ إِلَى سفح الْجَبَل قَرِيبا من قبَّة النَّصْر فضجوا ودعوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهم قيام نَحْو سَاعَة ثمَّ انصرفوا فَكَانَ من الْمشَاهد الْعَظِيمَة وتيسر وجود الْخبز إِلَى يَوْم السبت رَابِع عشرينه ثمَّ فقد. وَسبب فَقده أَن التَّاج منع كل من قدم بقمح أَن يَبِيعهُ إِلَّا للطحانين وسعر الأردب بثلاثمائة وَخمسين درهما فَكَانَ إِذا طحن وَبيع دَقِيقًا وقف من حِسَاب سِتّمائَة دِرْهَم وأزيد فَإِذا عجن خبْزًا كَانَ من حِسَاب ثَمَانمِائَة دِرْهَم وأزيد فَامْتنعَ من سوى الطاحنين من سَائِر النَّاس من شِرَاء الْقَمْح وَكثر طَلَبهمْ للدقيق وَالْخبْز وازدحموا على الأفران من عدم الْخبز بالأسواق. وَانْقطع الْوَاصِل من الْقَمْح فَركب التَّاج إِلَى الْبِلَاد الْقَرِيبَة وتتبع مخازن الْقَمْح بهَا وباعها على الطحانين فشنع الْأَمر فِي الأفران واقتتل النَّاس على أَخذ الْخبز مِنْهَا وانتهبوا عدَّة أفران وَأخذُوا مَا بهَا من الْعَجِين فعطلها أَرْبَابهَا وتغيبوا وأبيعت البطة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute