للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النار، فهذا الحديث أبلغ زجر وردع عن نية غير صالحة، وسبب هذا واللّه أعلم: أن في الدنيا جنة معجلة وهي معرفة اللّه تعالى ومجبته والأنس به والشوق إلى لقائه وخشيته وطاعته والعلم النافع يدلّ على ذلك، فمن لله علمه على دخول هذه الجنة المعجلة في الدنيا فاز بالجنة الآخرة، ومن لم يشم رائحتها لم يشم رائحة الجنة في الآخرة، ولهذا كان أشد الناس عذابا في الآخرة عالم لم ينفعه علمه وهو من أشد الناس حسرة يوم القيامة حيث كان معه آلة يتوصل بها إلى أعلى الدرجات وأرفع المقامات فلم يستعملها إلا للتوصل إلى أخس الأمور وأدناها قيمة وأحقرها كمن كانت عنده جواهر نفسية ولها قيمة عظيمة فباعها بشيء مستقذر لا ينتفع به، بل حال من يطلب الدنيا بعلمه أقبح وأقبح، وكذلك من يطلب الدنيا بإظهار الزهد فيها، فإن ذلك خداع قبيح جدًا، قاله ابن رجب الحنبلي (١)، قال الإمام أبو حامد (٢): فانظر إلى هذه الدرجة العليا كيف رجحت بهذا العالم المسكين إلى أسفل سافلين، قال الإمام مالك رحمه اللّه: ليس العلم بكثرة الرِّواية وإنما العلم نور يقذفه اللّه في القلوب، ومن كتاب سير السلف (٣): قال إبراهيم الخواص: ليس العلم بكثرة الرِّواية إنما العلم لمن اتبع العلم واستعمله واقتدى بالسنن وإن كان قليل العلم، ثم قال: وهذا البحث كلّه إنما هو إذا سلم طالب العلم من


(١) مجموع رسائل ابن رجب (١/ ٧٩).
(٢) كذا هو أبو حامد وإنما هذا كلام القرطبى نقله عنه ابن الحاج في المدخل (١/ ١٦ - ١٧).
(٣) سير السلف الصالحين (ص ١٣٢٥) والنقل عن المدخل (١/ ١٧ - ١٨).