وقد تضمن حديثه هذا فضيلة عظيمة لعبد الله لم يسمع بمثلها لغيره وهو أن الله كلمه مشافهة بغير حجاب حجبه به ولا واسطة قبل يوم القيامة ولم يفعل الله تعالى بغيره في هذه الدار كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}(١)، وكما قال - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث:"وما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب "ظاهر هذه الآية وهذا الحديث أن الله تعالى لم يفعل هذا في هذه الدار لحي ولا ميت إلا لعبد الله هذا خاصة فيلزم على هذا العموم أنه قد خص من ذلك بما لم يخص به أحدًا من الأنبياء وهذا مشكل بالعموم من ضرورة الشرع ومن إجماع المسلمين على أن درجة الأنبياء وفضيلتهم أعظم من درجة الأولياء والشهداء فوجه التوفيق أن قوله عليه السلام: "وما كلم الله أحدًا إلا من وراء حجاب" إنما يعني به والله أعلم: أحدًا من الشهداء وممن ليس بنبي بعد موته وقبل يوم القيامة إلا عبد الله ولم يرد به الأنبياء ولا أراد بعد يوم القيامة لما قد علم أيضًا من الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة من أن المؤمنين يرون الله تعالى في الجنة ويكلمهم بغير حجاب ولا واسطة، وأما الآية فإنما مقصودها حصر أنواع الوحي الحاصل إلى الأنبياء من الله تعالى فمنه ما يقذفه الله تعالى في النبي وروعه ومنه، ومنه ما يسمعه الله تعالى النبي مع كون ذلك النبي محجوبًا من رؤية الله تعالى ومنه ما يبلغه له الملك حاصلها الإعلام بأن الله