واختلفوا في وقوع غيرها من الصغائر منهم فذهب معظم الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من السلف والخلف إلى جواز وقوعها منهم وحجتهم ظواهر القرآن والأخبار.
وذهب جماعات من أهل التحقيق والنظر من الفقهاء والمتكلمين من أئمتنا إلى عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر وأن منصب النبوءة يجل عن مواقعتها وعن مخالفة الله سبحانه وتعالى عمدا [وهذا] المذهب هو الحق ولأنه لو صح ذلك منهم لم يلزمنا الاقتداء بأفعالهم وأقوالهم ولا خلاف في الاقتداء بذلك، وانظر هذه الخطايا التي ذكرت للأنبياء من أكل آدم من الشجرة ناسيًا ومن دعوة نوح على قوم كفار وقتل موسى الكافر الذي لم يُؤمر بقتله ومدافعة إبراهيم الكفار بقول عرّض به هو فيه صادق من وجه، وهذه كلها في حق غيرهم ليست بذنوب لكنهم أشفقوا منها إذ لم تكن عن أمر الله تعالى وعتب على بعضهم فيها لقدر منزلتهم في معرفة الله تعالى، اهـ. وتكلموا على الآيات والأحاديث الواردة في ذلك وتأولوها وأن الذي ذُكِر عنهم من ذلك إنما هو فيما كان منهم على تأويل أو سهو أو من إذن من الله سبحانه وتعالى في أشياء أشفقوا من المؤاخذة بها وأشياء منهم قبل النبوءة وهذا المذهب هو الحق والله أعلم.
فائدة أخرى: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فيأتون آدم وكذلك نوح وإبراهيم وباقي الأنبياء" إلى آخره. ذكر أبو حامد الغزالي رحمه الله أن بين إتيانهم من آدم إلى نوح ألف عام وكذلك بين كل نبي إلى محمد -صلى الله عليه وسلم-. وذكر أيضًا أن الناس في الموقف على طبقات مختلفة وأنواع متباينة بحسب جرائمهم كمانع الزكاة