والفلفل بحذو الْإِنْسَان والإهليلج بِالْقَبْضِ للفم وَمَا جرى هَكَذَا من سَائِر مَا فِي الْعَالم وكل ذَلِك غير نَاطِق وَالْكَوَاكِب والأفلاك جَارِيَة هَذَا المجرى لِأَن تأثيرها وَاحِد لَا يخْتَلف وحركتها حَرَكَة وَاحِدَة لَا تخْتَلف وَلَيْسَ كَذَلِك المختارة وَلَقَد قَالَ لي بَعضهم وَقد عارضته بِهَذَا أَن الْمُخْتَار الْفَاضِل يلْزم أفضل الحركات فَلَا يتعداها وَتلك الْحَرَكَة الدورية هِيَ أفضل الحركات فَقلت لَهُ وَمَا دليلك على أَن تِلْكَ الْحَرَكَة أفضل الحركات وَمن أَيْن صَارَت الْحَرَكَة من شَرق إِلَى غرب أَو من غرب إِلَى شَرق أفضل من الْحَرَكَة من جنوب إِلَى شمال وَمن شمال إِلَى جنوب وَكَيف يكون عنْدكُمْ أفضل الحركات والأفلاك الثَّمَانِية تنْتَقل من غرب إِلَى شَرق وَالتَّاسِع من شَرق إِلَى غرب فَأَي هَاتين الحركتين قُلْتُمْ أَنَّهَا أفضل عنْدكُمْ وَقد اختا الآخر الْحَرَكَة الَّتِي لَيست أفضل فَظهر فَسَاد هَذَا القَوْل بِيَقِين وَهَذِه دعاوي مُجَرّدَة بِلَا برهَان وَمَا كَانَ هَكَذَا فقد سقط وَلَا فرق بَيْنك وَبَين من قَالَ بل الْحَرَكَة علو أفضل أَو على خطّ مُسْتَقِيم سائرة وراجعة وَنحن نجد تِلْكَ الأجرام تسفل فِي بعض ممراتها وتشرف فِي بعض وَتسقط فِي بعض على قَوْلكُم وتوافق بزعمكم بِروح نحس مظْلمَة وَأُخْرَى نيرة سعيدة وَبَعض الأفلاك يقطع من غرب إِلَى شَرق وَهُوَ حَرَكَة جَمِيعهَا إِلَّا الْأَعْلَى مِنْهَا فَإِنَّهُ يَتَحَرَّك من شَرق إِلَى غرب فَلَيْسَتْ هَذِه أفضل الحركات فَبَطل قَوْلهم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَكَذَلِكَ مَا ذكره من ذكر ذَلِك مِنْهُم من الكرور عِنْد انْتِهَاء آلَاف من الأعوام ذكروها وانتصاب الْكَوَاكِب الثَّابِتَة على نصبٍ مَا من قطعهَا لفلكها فَهَذَا أَيْضا كذب مُجَرّد وَدَعوى سَاقِطَة لَا دَلِيل عَلَيْهَا وَلَا يعجز عَن مثلهَا أحد وَلم يَأْتُوا على شيءٍ من ذَلِك بشغب وَلَا بإقناع فَكيف ببرهان وَإِنَّمَا هُوَ تَقْلِيد لبَعض قدماء الصائبين فَمثل هَذِه الحماقات والخرافات هِيَ الَّذِي دَفعته الشَّرِيعَة الإسلامية وأبطلته وَأما مَا قَامَت عَلَيْهِ الْبَرَاهِين فَهُوَ فِي الْقُرْآن وَالسّنة مَوْجُود نَصه واستدلالاً ضَرُورِيًّا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
مطلب بَيَان كروية الأَرْض
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا حِين نَأْخُذ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي ذكر بعض مَا اعْترضُوا بِهِ وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا إِن الْبَرَاهِين قد صحت بِأَن الأَرْض كروية والعامة تَقول غير ذَلِك وجوابنا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق إِن أحد من أَئِمَّة الْمُسلمين الْمُسْتَحقّين لاسم الْإِمَامَة بِالْعلمِ رَضِي الله عَنْهُم لم ينكروا تكوير الأَرْض وَلَا يحفظ لأحد مِنْهُم فِي دَفعه كلمة بل الْبَرَاهِين من الْقُرْآن وَالسّنة قد جَاءَت بتكويرها قَالَ الله عز وَجل {يكور اللَّيْل على النَّهَار ويكور النَّهَار على اللَّيْل} وَهَذَا أوضح بَيَان فِي تكوير بَعْضهَا على بعض مَأْخُوذ من كور الْعِمَامَة وَهُوَ إدارتها وَهَذَا نَص على تكوير الأَرْض ودوران الشَّمْس كَذَلِك وَهِي الَّتِي مِنْهَا يكون ضوء النَّهَار بإشراقها وظلمة اللَّيْل بمغيبها وَهِي آيَة النَّهَار بِنَصّ الْقُرْآن قَالَ تَعَالَى {وَجَعَلنَا آيَة النَّهَار مبصرة} فَيُقَال لمن أنكر مَا جهل من ذَلِك من الْعَامَّة ألبس إِنَّمَا افْترض الله عز وَجل علينا أَن نصلي الظّهْر إِذا زَالَت الشَّمْس فَلَا بُد من نعم فَيسْأَلُونَ عَن معنى زَوَال الشَّمْس