قال: قوله " قالوا لها " يعني لامرأةٍ كان يهواها من بني فزارة يقال لها أسماء، يعني أن بني فزارة ذكروا لها أنهم هزموه وطردوه، وكان بين بني فزارة وبني عامر وقعة كانت على بني عامر، وقتل فيها جماعة، وضرغد مكان معروف.
قال س: هذا موضع المثل:
لا تدرك الخيل وأنت تذأل ... إلا بمرٍّ مر الأجدل
لا يعرف معنى هذا الشعر إلا بمعرفة ما يتعلق به من الأيام، ثم إذا لم يعرف: ضرغد وقنا وعوارض، حقيقة أنها في أي موضع من المواضع من بلاد الله - لم يعرف المخاطب بقوله.
وإنما قال هذا عامر يوم الرقم، يوم هزمتهم بنو مرة، ففر عامر، واختنق أخوه الحكم بن الطفيل. وفي ذلك اليوم قتل عقبة بن أنيس بن خليس الأشجعي مئة وخمسين رجلاً من بني عامر، أدخلهم شعب الرقم فذبحهم، فسمي عقبة ذلك اليوم مذبحاً.
وقنا وعوارض جبلان من بلاد بني فزارة. وفيها يقول الشماخ بن ضرار:
كأنها وقد بدا عوارض
وأدبيٌّ في السراب غامض
والليل بين قنوين رابض
بجيزة الوادي قطا نواهض
والمخاطب بشعر عامر بنو مرة وفزارة، وأسماء هي أسماء السكينية من بني فزارة، كان يهواها عامر ويشبب بها في شعره، وكان قد فجر بها، وفيها يقول:
أنازلةٌ أسماء أم غير نازله ... أبيني لنا يا أسم ما أنت فاعله
وفيها يقول خراشة العبسي في يوم الرقم:
فمن مبلغٌ عني خليلي عامراً ... أسليت عن أسماء أم أنت ذاكر
فإن وراء الجزع غزلان أيكةٍ ... مضمخةً آذانها والغفائر
وضرغد من مياه بني مرة.
[قال ابن السيرافي قال خفاف بن ندبة، ويقال عباس بن مرداس]
فقال لي قول ذي رأي ومقدرةٍ ... مجربٍ عاقلٍ نزهٍ عن الريب
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
قال س: هذا موضع المثل:
كميتٌ ووردٌ إن ذاك من الغلط
ليس البيت لواحد من الرجلين، وإنما هو لأعشى بني طرود، وهم من بني فهم ابن عمرو، وعدادهم من بني سليم، في قصيدة مليحة أولها:
يا دار أسماء بين السهل والرحب
ولم يذكر ابن السيرافي من الذي قال له: أمرتك الخير. وإنما يحكي الشاعر هذا عن أبيه ويفتخر به، وسيأتي ذكره في الشعر.
قال أعشى بني طرود:
يا دار أسماء بين السفح والرحب ... أقوت وعفى عليها ذاهب الحقب
فما تبين منها غير منتضدٍ ... وراسياتٍ ثلاثٍ حول منتصب
وعرصة الدار تستن الرياح بهاً ... تحن فيها حنين الوله السلب
دارٌ لأسماء إذ قلبي بها كلفٌ ... وإذ أقرب منها غير مقترب
إن الحبيب الذي أمسيت أهجره ... عن غير مقليةٍ مني ولا غضب
أصد عنه ارتقاباً أن ألم به ... ومن يخف قالة الواشين يرتقب
إني حويت على الأقوام مكرمةً ... قدماً، وحذرني ما يتقون أبي
وقال لي قول ذي علم وتجربة ... بسالفات أمور الدهر والحقب
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مالٍ وذا نشب
[قال ابن السيرافي قال تليد العبشمي]
شفيت الغليل من سميرٍ وجعونٍ ... وأفلتنا رب الصلاصل عامر
وأيقن أن الخيل إن تلتبس به ... يكن لفسيل النخل بعده آبر
قال: وسبب هذا الشعر: أن طوائف من عبد القيس، أغارت على الأبناء من بني سعد، فهزمتهم الأبناء وقتلوا منهم سميراً وجعونة. وقال في الشعر وجعون فرخمه في غير النداء.
ورب الصلاصل: يجوز أن يكون أراد به أنه صاحب سلاح وخيل، والصلصلة: صوت الحديد، وكذا وجدته على هذا اللفظ وعلى هذا الهجاء. والله أعلم بالصواب.
قال س: هذا موضع المثل:
إذا اعترضت كاعتراض الهره ... يوشك أن تسقط في أفره
لو سكت ابن السيرافي عن تفسير مثل هذا الشعر من شعر القبيل، الذي يبلح فيه حذاق العلماء والنسابين - لم يجعل نفسه غرضاً لكل رام. وروي عن أبي عثمان المازني قال: حملنا منتخبات المفضل، فقرأناها على الأصمعي، فكل ما كان فيها من أشعار الشعراء المعروفين أجاب فيها، فلما صرنا إلى أشعار القبائل بلح فيها أبو سعيد.