للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يمنع أن اللَّمس والمَسّ - مثلًا - ليسا بعلّتين، وإِن وجد أحدهما بمفرده، بل لا علّة إِلا واحد فقط، فلا يكون للحدث - مثلًا - غير علّة واحدة، وهذا لا يقوله أحد.

فإِن قلت: وكيف يلزم؟.

قلت: لأنه ادَّعى أن الحدث شيء واحد، وظاهر كلامه: أن ذلك أمر متفق عليه؛ حيث جعله مقيسًا عليه في قوله: وإِلا لزم مُغَايرة حدث البول للغائط، وإِذا كان سببًا واحدًا، ولم يعلل حكم بأكثر من علَّة، لزم ألا يكون عليه إِلا أمارة واحدة، ولا مخلص للمصنّف عن هذا الإِيراد إِلا أن يدعي تعدّد الأحداث، كما ادعيناه، وحينئذٍ فلا نسلم له اتِّحَاد حدث البَوْل والغائط، وإِلا ظهر عندنا ما عرفت، فنقول: صلاحية كلّ واحد من البول والغائط والمَذْي والنّوم لتعريف الحدث، لا خلاف فيه، وعِرْفَان الحدث بكلّ منها إِذا انفرد لا خلاف فيه، وإِنما الخلاف فيما إِذا اجتمعت، فالقائلون بجواز اجْتِمَاع علّتين متفقون على أنها - والحالة هذه - علل مستقلة، ومعنى استقلالها - عند المصنّف - أنها لو انفردت لاستقلت كما سبق.

والقائلون بامْتِنَاعِهِ مختلفون فيما إِذا اجتمع مَسّ ولَمْسٌ، فقال قوم: كلّ واحد - والحالة هذه - جزء علَّة.

وقال آخرون: العلّة واحدة لا بعينها، فخرج لنا من هذا أن هذه المذاهب التي حَكَاها المصنّف - هنا - ليست للقائلين بالوقوع، والمَذْهَبان الآخران رأيان لمن منع الوقوع. هذا إِن اختصّ الخلاف بحالة الاجتماع، وإِن شمل حالة التَّعَاقُب، فمن يجوز التعليل بعلّتين حالة التعاقب، لا يلزم جَعْلهما حالة المعيّة مستقلّين، وهذه المذاهب جارية عنده في المعيّة بلا شكّ.

وأما المانع، فلا سبيل له إِلى القول بالاستقلال حالة المعيّة، بل هو متمكّن من أحد قولين: الجزئية، أو أن العلّة أحدها لا بعينه، والمصنّف لم يتعرض للمانعين: ماذا يفعلون حالة الاجتماع؟.

ويتلّخص من هذا: أن المختار من هذه المذاهب لا يعرف أحد قال بخلافه فيمن جوّز التعليل بعلّتين، والقولان الآخران قولان لمن منع، لا لمن جوز.

ثم استدلّ المصنّف على ما اختاره، ولم يكن محتاجًا لذلك هنا، وإِنما حاجته إِلى

<<  <  ج: ص:  >  >>