للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

في المَسَائل، وما اتفقت مسألة إِلا والمختلفون فيها يتنازعون في علّة الحكم، ومن تدبّر موارد الشَّريعة ومَصَادرها، اتضح له ما نقول على قرب.

ومن أمثلة ذلك: مسألة الرِّبا، ومن ادعى أنها مختصّة من بين سائر المسائل باتفاق وإِجماع على اتِّحَاد العلّة فيها، فقد أحال الأمر على إِبهام، والمنصف لا يستريب في أن خوض النُّظَّار في مسألة الرِّبا، كخوضهم في غيرها من المَسَائل، ولما ثبت الخِيَارُ للمعتقة تحت الرقيق، وكان ذلك مجمعًا عليه، والإِجماع مستند (١) إِلى الحديث، ثم اختلف العلماء في إِثبات الخيار للمُعْتقة تحت الحر، ومنشؤ اختلافهم في ذلك من اختلافهم في تَعْلِيل الخيار في حقّ المُعْتقة تحت الرقيق، فاعتل أبو حنيفة: بأنها ملكت نفسها، وزعم أن ذلك يجري في حق المعتقة تحت الحُرّ، وأبطل الشَّافعي هذا التعليل، واعتلّ بالضرر، على ما يحرره أصحابه وأصحابنا، وكذلك الأمر في كلّ مسألة يبحث الناظر عنها، ونحن نقول - بعد هذا التنبيه -: تعليل الحكم الواحد بعلّتين ليس ممتنعًا عقلًا وتسويغًا ونظرًا إِلى المصالح الكلية، ولكنه ممتنع شرعًا، وآية ذلك أن إِمكانه من طريق العَقْل في نهاية الظّهور، فلو كان هذا ثابتًا شرعًا لأمكن وقوعه على حكم النَّادر، والنادر لا بد أن يقع على مرور الدُّهور، فإِذا لم يتفق وقوع هذا في مسألة، ولم يتشوّف إِلى طلبه طالب، لاح كفلق الإِصباح أن ذلك ممتنع شرعًا، وليس ممتنعًا عقلًا. انتهى.

وفيه نظر من وجوه:

أحدها: منع ظهور إِمكان التعليل بعلّتين، فلا بد له من دليل، وسنقيم نحن واضح الدلالة على امتناعه عقلًا.

وثانيها: أن نقول: ما دللت به على الامتناع الشَّرْعي بعينه دالّ على الامتناع العقلي، فيقال: لو لم يمتنع عقلًا، لوجب في مستقرّ العادة أن يقع ولو نادرًا، [فتعيّن] (٢) ما قلت.

وثالثها: أنه لا يلزم من جوازه شرعًا وقوعه، نعم الإِنصاف أنه يغلب على الظَّن أن الجائز شرعًا لا بد أن يقع ولو نادرًا، ولكن غلبة الظَّن لا تفيد في مسائل أصول الفقه لا سيّما هذه القاعدة العُظْمَى، ولا سيما عند إِمام الحرمين؛ فإِنه ممّن اشتد نكيره على من


(١) في ب: مسند.
(٢) في أ، ت، ج: تعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>