وَأَيْضًا فاذا جَازَ أَن يكون الْعَمَل بِالْقِيَاسِ مصلحَة جَازَ أَن يكون التَّعَبُّد بذلك مصلحَة لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون الْعَمَل بالشَّيْء مصلحَة وَيكون التَّعَبُّد بِهِ مفْسدَة
وَأما أَن الْمُكَلف عَالم من حَال الْفِعْل وَالْفَاعِل بِمَا ذَكرْنَاهُ وَأَنه سيثيب الْمُكَلف إِن أطَاع فَلِأَنَّهُ عَالم بِكُل مَا يَصح أَن يعلم وَهَذِه الْأَشْيَاء يَصح أَن تعلم فِي نَفسهَا فقد جَازَ تَكَامل الشَّرَائِط لحسن هَذَا التَّكْلِيف
وَيُمكن اخْتِصَار هَذِه الدّلَالَة ويقتصر على مَا يُخَالف فِيهِ الْخصم فَنَقُول إِنَّه قد حسن فِي الْعقل تَكْلِيف الْعَمَل بِمُوجب الْقيَاس الْمَعْلُومَة علته وَلَو قبح تَكْلِيف الْعَمَل إِذا كَانَ الْقيَاس مظنون الْعلَّة لَكَانَ إِنَّمَا يقبح لأجل مَا بِهِ افترق التكليفان وَالَّذِي افْتَرقَا فِيهِ هُوَ بَيَان هَذَا التَّكْلِيف للْعَمَل بِحَسب الظَّن دون التَّكْلِيف الآخر وَلَو كَانَ هَذَا وَجها بقبح التَّكْلِيف لما ورد بِهِ التَّعَبُّد الْعقلِيّ والسمعي أما الْعقلِيّ فوجوب الْقيام من تَحت حَائِط مائل يخْشَى سُقُوطه لفرط ميله وَإِن جوز السَّلامَة فِي الْقعُود والهلاك فِي النهوض وقبح السّفر للريح مَعَ ظن الخسران وقبح سلوك طَرِيق بِظَنّ الأمارة وجود اللُّصُوص فِيهِ وَإِن جَوَّزنَا خلاف مَا ظننا وَأما السمعي فَالْحكم بِشَهَادَة من يظنّ صدقه وتولية الْقُضَاة والأمراء عِنْد ظن سدادهم والتوجه إِلَى جِهَة عِنْد ظن كَون الْقبْلَة فِيهَا وَالْحكم بِقدر من النَّفَقَة بِحَسب الظَّن إِلَى غير ذَلِك وَأَيْضًا فَالْحكم بِحَسب الظَّن لَا يمْتَنع أَن يكون مصلحَة من الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ فَلم يمْتَنع وُرُود التَّعَبُّد بِهِ
وَاحْتج الْمُخَالف بأَشْيَاء
مِنْهَا قَوْله لَو جَازَ التَّعَبُّد فِي الْفُرُوع بِالْقِيَاسِ مَعَ أَنَّهَا مصَالح جَازَ مثله فِي الْأُصُول الشَّرْعِيَّة مَعَ أَنَّهَا مصَالح الْجَواب ان الْمُسْتَدلّ إِن ألزمنا جَوَاز التَّعَبُّد بِقِيَاس الْبر فِي الرِّبَا على أصل قد نَص على ثُبُوت الرِّبَا فِيهِ فانا نلتزم ذَلِك وَيكون قبح بيع الْبر مُتَفَاضلا فرعا وَالْحَال هَذِه لِأَنَّهُ لم ينص على ثُبُوت الرِّبَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute