اللَّفْظ إِذا تنَاول جملَة أَشْيَاء جَازَ إِخْرَاج بَعْضهَا مِنْهُ وَإِذا تنَاول شَيْئا وَاحِدًا لم يجز إِخْرَاج شَيْء مِنْهُ وَلِهَذَا كَانَ الْعُمُوم فِي تنَاوله أشخاص الْجِنْس يجْرِي مجْرى أَلْفَاظ تتَنَاوَل كل وَاحِد من تِلْكَ الْأَلْفَاظ فِي امْتنَاع دُخُول التَّخْصِيص فِيهِ على أَن ذَلِك يمْنَع من النّسخ كُله لِأَن الْمَنْسُوخ لَا بُد من كَونه لفظا يُفِيد الاستدامة إِمَّا بِنَفسِهِ وَإِمَّا بِدلَالَة على أَن عِنْد أَصْحَابنَا أَن لفظ التَّأْبِيد فِي التَّعَبُّد لَيْسَ يُفِيد من جِهَة الْعرف كل وَقت من أَوْقَات الْمُسْتَقْبل
وَمِنْهَا قَوْلهم إِنَّا لَو أمرنَا بِالْعبَادَة بِلَفْظ يَقْتَضِي الِاسْتِمْرَار لجَاز دُخُول النّسخ عَلَيْهِ فَلَو جَازَ ذَلِك مَعَ التقيد بالتأبيد لم يكن فِي التَّقْيِيد بِهِ فَائِدَة وَالْجَوَاب أَن التَّقْيِيد بذلك يُفِيد تَأْكِيد الِاسْتِمْرَار أَو تَأْكِيد الْمُبَالغَة فِي الِاسْتِمْرَار فاذا ورد النّسخ عَلَيْهِ علمنَا أَن لفظ التَّأْبِيد كَانَ الْغَرَض بِهِ تَأْكِيد الْمُبَالغَة وَلَو منع ذَلِك من النّسخ لمنع تَأْكِيد الْعُمُوم من التَّخْصِيص
وَمِنْهَا قَوْلهم لَو جَازَ نسخ مَا ورد بِلَفْظ التَّأْبِيد لم يكن لنا طَرِيق إِلَى الْعلم بدوام الْعِبَادَة فِي أزمان التَّكْلِيف وَالْجَوَاب أَن لنا طرقا إِلَى ذَلِك بِأَن لَا يقْتَرن بِالْأَمر بِالْعبَادَة مَا يدل على ان المُرَاد بِهِ بعض الْأَزْمَان إِمَّا دلَالَة مفصلة أَو مجملة وَعند أَصْحَابنَا أَن طريقنا إِلَى ذَلِك أَن يَقُول الله عز وَجل هَذَا الْعِبَادَة وَاجِبَة عَلَيْكُم إِلَى آخر أَوْقَات التَّكْلِيف
وَمِنْهَا قَوْلهم إِن لفظ التَّأْبِيد يُفِيد الدَّوَام إِذا وَقع فِي الْخَبَر فَيجب فِي الْأَمر مثله وَالْجَوَاب أَن إِفَادَة الدَّوَام فيهمَا لَا يمْنَع من قيام الدّلَالَة على أَن المُرَاد بِهِ غير ظَاهر كَمَا نقُوله فِي جَمِيع أَلْفَاظ الْعُمُوم ثمَّ نَنْظُر مَتى يجب أَن يقوم الدّلَالَة على ذَلِك فان حسن أَن يتَأَخَّر الدّلَالَة على ذَلِك من غير إِشْعَار جوزناه وَإِن لم يحسن باشعار مُقَارن شرطناه وأصحابنا يمْنَعُونَ من إِفَادَة لفظ التَّأْبِيد الدَّوَام إِذا وَقع فِي التَّعَبُّد