للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الرابع: ضوابط دراسة علم الاستغراب]

قبل ذكر ضوابط دراسة علم الاستغراب لأبد من التأكيد على أمرين، أولهما: تثبيت الهوية الخاصة بالمؤمنين بتوضيح عقائدهم، وصفاتهم، وأخلاقهم، وعلاقاتهم.

ثانيا: معرفة الآخر بعقائده وصفاته، وأخلاقه، وعلاقاته ...

ثم إن لهذا العلم كغيره من العلوم ضوابط ينبغي الالتزام بها، وهذه الضوابط ليست خاصة به، بل هي عامة في كل أمر يراد بحثه فمن هذه الضوابط:

[الضابط الأول: الإخلاص]

وهو أن يبتغي الإنسان بعلمه وعمله وجه الله تعالى، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (١١٠)} [الكهف: ١١٠] فالعمل المتقبل من العبد ما كان موافقاً للشرع، مراداً به وجه الله وحده (١). وفي الحديث الصحيح عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (٢). فمدار صحة الأعمال أو فسادها النية.

والقائم بالدفاع عن الحق، والدعوة إليه، والمجادلة من أجله أشد حاجة إلى الإخلاص من غيره. لذا فإن توفر سلامة النية، والقصد شرط أساسي لمن يشتغل بدراسة علم الاستغراب، فلابد أن يكون قصده في هذا حراسة الدين، والذب عنه، ودلالة الناس على الهدى، وتثبيتهم عليه (٣)، وألا يكون له أي غرض آخر.

قال إمام الحرمين الجويني موضحاً آداب الجدل: "فأول شيء فيه مما على الناظر أن يقصد التقرب إلى الله -سبحانه- وطلب مرضاته في امتثال أمره سبحانه فيما أمر به ويبالغ قدر طاقته في البيان والكشف، عن تحقيق الحق وتمحيق الباطل، ويتقي الله أن يقصد بنظره المباهاة وطلب الجاه والتكسب والممارة، والمحك، والرياء، ويحذر أليم عقاب الله -سبحانه- ولا يكن قصده الظفر بالخصم، والسرور بالغلبة، والقهر، فإنه من دأب الأنعام الفحولة، كالكباش، والديكة" (٤).


(١) انظر: تفسير ابن كثير ٣/ ١٠٣.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ص ٢١، رقم الحديث ١.
(٣) الرد على المخالف من أصول الإسلام بكر أبو زيد ص ٥٤.
(٤) الكافية في الجدل، لإمام الحرمين الجويني، تحقيق د. فوقية حسين محمود ص ٥٢٩، طبع بمطبعة عيسى البابي، القاهرة ١٣٩٩ هـ/ ١٩٧٩ م. وانظر: علم الملل ومناهج العلماء فيه ص ٢٣٧ - ٢٣٩.

<<  <   >  >>