للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:

يعني أنّ أهلَ الدّناءةِ والضَّعَةِ لا يُقارَضونَ بالقريض مع القدرة والسَّعَةِ، والحلمُ أوْلى ما استعملَه أولو الحزْمِ، والعفوُ لا يكونُ من العالِم إلا في اللُّبابِ الصّفوِ

شِيَمٌ بها اختصّ الوزيرُ محمّدٌ ... وسَما بها قدْراً على الوُزراءِ

فضَلَ الصدورَ صَباحةً وفَصاحةً ... وسماحةً رجَحَتْ على الكُرَماءِ

وتبوّأ العلياءَ طِفلاً ناشئاً ... حتّى عَلا فيها على الجوْزاءِ

فالكرمُ من طرائقِه، والشرفُ من خلائقِه، والحِلْمُ من طبائعِهِ، ونحنُ معاشِرَ الأدباءِ من صنائعِه؛ أياديهِ إلَيْنا باديةٌ، وغوادِيهِ علينا رائحةٌ وغاديةٌ، ورَحا آمالِنا لا تدورُ إلا على قُطْبِه، وعلى كلِّ حالٍ نأخذُ من مالِه ومن أدبِه، كم اقتبستُ أدباً من أنوارِ علومِه، والتمستُ أرَباً من نَوّارِ رياضِ حُلومِه، واكتسبت عَرْفاً من أرَجِ ذكْرِهِ، وكسبتُ عُرْفاً من لُجَجِ بحرِه. وإني لمّا لجأْتُ الى ظلِّهِ الوارفِ الظليلِ، واعتصمتُ بطَوْدِ عزِّهِ من الحادِثِ الصّعْبِ الجليلِ، وعُدِدْتُ من زُمْرةِ غاشيتِه، وسَعِدتُ بالانتماءِ الى جُملةِ حاشيتِه، طرَفَ عنّي طرْفَ الحوادِثِ، وكفّ عني كفَّ الكوارِثِ، وملأ قلبي أمْناً، فلم أقْرَعْ بعدَ نظرِهِ إليّ سِنّاً، فشُكْرُ صنائعِهِ لديّ واجبٌ، وسابِغُ مدارعِهِ عليّ من النوائِبِ حاجب:

كم مِنّةٍ وصنيعةٍ ... عندي لمولانا الوزيرِ

شُكري لَها شُكْرُ الرّيا ... ضِ الحُوِّ للمُزْنِ المَطيرِ

لا زالتْ دولَتُه مخلَّدةً، ونعمتُهُ مؤبدةً، ورِفْعَتُهُ ممهّدةً، وكلمتُه مسدّدةً، وسلطانُه مُطاعاً، وزمانُهُ نفعاً وانتفاعاً، فلقد أحْيا ميِّتَ الأدبِ بآدابِهِ، وجعلَ الإحسانَ من دَيْدَنِهِ ودابِهِ:

فكلّ ما عنديَ من عندِه ... العِلْمُ والإنعامُ والجاهُ

أبى عليَّ الدّهرُ فاضطرّهُ ... الى مُراعاتي وألْجاهُ

وحيث انتهى بِنا الكلامُ الى هذه الغايةِ وأتَيْنا فيما اشْتَرَطْناهُ بالكفايةِ والزيادةِ على الكفايةِ، فقد وجَبَ أن نختِمَ الكتابَ، ونَقْصُرَ الإسهابَ، واللهُ الموفِّقُ للصّواب، إنْ شاءَ اللهُ تعالى.

<<  <