للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعلمنا بهذا إلى أي مدى حفظ الصبي السر، لكن حتى متى؟ أيفشيه بعد وفاة صاحب السر؟ أم بعد وفاة أمه؟

لقد سمع ثابت البُناني تلميذ أنس بن مالك هذا الحديث منه، فانتابه الفضول لمعرفة هذا الذي كتمه عن أمه؛ فقال له: يا أبا حمزة، أتحفظ تلك الحاجة اليوم أو تذكرها؟

قال أنس: «إي والله، وإني لأذكرها، ولو كنت محدِّثًا بها أحدًا من الناس لحدثتك بها يا ثابت» (١)! فانقطع الأمل عن ثابت أن يعرف هذا السرَّ، الذي دُفن مع أنس يوم مات!

يقول الحافظ ابن حجر: "قال بعض العلماء: كأن هذا السر كان يختص بنساء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فلو كان من العلم ما وسع أنسا كتمانه" (٢).

لم يربِّ الصحب والآل صغارهم على حفظ سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده، وإنما كان ذلك على حفظ السرِّ عمومًا، مع كل من يختصهم به، ويعلمونهم بأثر هذا في الدنيا قبل الآخرة.

في وصية العباس بن عبدالمطلب - رضي الله عنه - لابنه عبدالله، التي سقنا طرفًا منها منذ قليل، بعد أن ذكَّره بنعمة الله عليه، أن فتح له قلب أمير المؤمنين عمر، فصار الأخير يدنيه ويقربه، وينزله منزلة ليست لغيره؛


(١) متَّفق عليه: أخرجه البخاري (٦٢٨٩)، ومسلم (٢٤٨٢)، وأحمد (١٣٠٢٢، ١٣٣٨٠)، وهذا لفظ أحمد.
(٢) ابن حجر، «فتح الباري» (١١/ ٨٢).

<<  <   >  >>