فَيَكُونُ مِنْ مُقَدِّمَةِ الْوَاجِبِ. وَلِذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ: (النَّحْوُ فِي الْعِلْمِ كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ لَا يَسْتَغْنِي شَيْءٌ عَنْهُ) .
ثُمَّ قَالَ الْعِزُّ: وَكَذَا مِنَ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ شَرْحُ الْغَرِيبِ، وَتَدْوِينُ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَالتَّوَصُّلُ إِلَى تَمْيِيزِ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ. يَعْنِي بِذَلِكَ عِلْمَ الْحَدِيثِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُحَرَّمَةَ وَالْمَنْدُوبَةَ وَالْمُبَاحَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ ذَلِكَ - يَعْنِي مَا ذَكَرَ فِي الْمُبَاحَةِ - مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى. وَكَذَا صَرَّحَ غَيْرُهُ بِالْوُجُوبِ أَيْضًا.
لَكِنْ لَا يَجِبُ التَّوَغُّلُ فِيهِ، بَلْ يَكْفِيهِ تَحْصِيلُ مُقَدِّمَةٍ مُشِيرَةٍ لِمَقَاصِدِهِ بِحَيْثُ يَفْهَمُهَا وَيُمَيِّزُ بِهَا حَرَكَاتِ الْأَلْفَاظِ وَإِعْرَابِهَا، لِئَلَّا يَلْتَبِسَ فَاعِلٌ بِمَفْعُولٍ، أَوْ خَبَرٌ بِأَمْرٍ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْخَطِيبُ قَالَ فِي (جَامِعِهِ) : (إِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُحَدِّثِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّحْنَ فِي رِوَايَتِهِ، وَلَنْ يَقْدِرَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ دُرْبَةِ النَّحْوِ، وَمُطَالَعَتِهِ عِلْمَ الْعَرَبِيَّةِ) . ثُمَّ سَاقَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: (لَيْسَ يَتَّقِي مَنْ لَا يَدْرِي مَا يَتَّقِي) .
وَمِمَّنْ أَشَارَ لِذَلِكَ شَيْخُنَا فَقَالَ: وَأَقَلُّ مَا يَكْفِي مَنْ يُرِيدُ قِرَاءَةَ الْحَدِيثَ أَنْ يَعْرِفَ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ أَلَّا يَلْحِنَ.
وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِمَا رُوِّينَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤْمَرُونَ، أَوْ قَالَ الْقَائِلُ: كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ السُّنَّةَ، ثُمَّ الْفَرَائِضَ، ثُمَّ الْعَرَبِيَّةَ الْحُرُوفَ الثَّلَاثَةَ. وَفَسَّرَهَا بِالْجَرِّ وَالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّوَغُّلَ فِيهِ قَدْ يُعَطِّلُ عَلَيْهِ إِدْرَاكَ هَذَا الْفَنِّ الَّذِي صَرَّحَ أَئِمَّتُهُ بِأَنَّهُ لَا يَعْلَقُ إِلَّا بِمَنْ قَصَرَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَضُمَّ غَيْرَهُ إِلَيْهِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ فَارِسٍ فِي جُزْءِ " ذَمِّ الْغِيبَةِ ": إِنَّ غَايَةَ عِلْمِ النَّحْوِ وَعِلْمِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْهُ أَنْ يَقْرَأَ فَلَا يَلْحَنَ، وَيَكْتُبَ فَلَا يَلْحَنَ، فَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ، فَمَشْغَلَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute