طَرِيقٌ أُخْرَى، رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي (مُسْنَدِهِ) ، وَالْخَطِيبُ فِي (كِفَايَتِهِ) ، مَعًا مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ دُرَيْكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَتَمَّ مِنْهُ. وَبِهِ تَعَلَّقَ بَعْضُ الْوَضَّاعِينَ كَمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ هُنَاكَ.
ثُمَّ إِنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُخَالِفُ يَدْفَعُهُ الْقَطْعُ بِنَقْلِ أَحَادِيثَ - كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا - فِي وَقَائِعَ مُتَّحِدَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ مِنْ أَحَدٍ، بِحَيْثُ كَانَ إِجْمَاعًا، وَالْقَصْدُ قَطْعًا مَعَ إِيرَادِ اللَّفْظِ إِنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى، وَهُوَ حَاصِلٌ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الشَّارِعِ أَبْلَغَ وَأَوْجَزَ، وَيَكْفِي فِي كَوْنِهِ مَعْنَاهُ غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَإِلْحَاقُ حَدِيثِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفَاظِ الْأَذَانِ وَالتَّشَهُّدِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ التَّوْقِيفِيَّاتِ لَا دَلِيلَ لَهُ كَمَا قَالَهُ الْخَطِيبُ.
وَحَدِيثُ (نَضَّرَ اللَّهُ) رُبَّمَا يُتَمَسَّكُ بِهِ لِلْجَوَازِ، لِكَوْنِهِ مَعَ مَا قِيلَ: إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ سِوَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، رُوِيَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ: كَـ (رَحِمَ اللَّهُ) ، وَ (مَنْ سَمِعَ) ، وَ (مَقَالَتِي) ، وَ (بَلَّغَهُ) ، وَ (أَفْقَهُ) ، وَ (لَا فِقْهَ لَهُ) مَكَانَ (نَضَّرَ اللَّهُ) ، وَ (امْرَأً) ، وَ (مِنَّا حَدِيثًا) ، وَ (أَدَّاهُ) ، وَ (أَوْعَى) ، وَ (لَيْسَ بِفَقِيهٍ) .
لَا سِيَّمَا وَفِيهِ مَا يُرْشِدُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَارِفِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ: ( «فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوَعَى مِنْ سَامِعٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ وَلَيْسَ بِفَقِيهٍ، إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» ) .
وَأَمَّا حَدِيثُ: (لَا وَنَبِيِّكَ) فَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ تَحَقَّقَ بِالْقَطْعِ أَنَّ الْمَعْنَى فِي اللَّفْظَيْنِ مُتَّحِدٌ ; لِأَنَّ الذَّاتَ الْمُحَدَّثَ عَنْهَا وَاحِدَةٌ، فَالْمُرَادُ يُفْهَمُ بِأَيِ صِفَةٍ وُصِفَ بِهَا الْمَوْصُوفُ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَنْعَ لِكَوْنِ أَلْفَاظِ الْأَذْكَارِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّانِي عَشَرَ تَوْقِيفِيَّةً، وَلَهَا خَصَائِصُ وَأَسْرَارٌ لَا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ، فَتَجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute