للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ الْعُلُومِ مِنْ ضُعَفَاءِ الْأَحْلَامِ وَالْفُهُومِ، فَاللَّهُ يُحْسِنُ الْعَاقِبَةَ. وَإِمَّا لِتَضَمُّنِهَا حَمْلَ الْعِلْمِ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا عُرِفَ بِخِدْمَتِهِ وَحَمْلِهِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ امْتِنَاعُ مَالِكٍ مِنْ إِجَازَةِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَقَوْلُهُ: يُحِبُّ أَحَدُهُمْ أَنْ يُدْعَى قِسًّا وَلَمَّا يَخْدُمِ الْكَنِيسَةَ. يَعْنِي بِذَلِكَ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ فَقِيهَ بَلَدِهِ وَمُحَدِّثَ مِصْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَاسِيَ عَنَاءَ الطَّلَبِ وَمَشَقَّةَ الرِّحْلَةِ ; اتِّكَالًا عَلَى الْإِجَازَةِ، كَمَنْ أَحَبَّ مِنْ رُذَّالِ النَّصَارَى أَنْ يَكُونَ قِسًّا، وَمَرْتَبَتُهُ لَا يَنَالُهَا الْوَاحِدُ مِنْهُمْ إِلَّا بَعْدَ اسْتِدْرَاجٍ طَوِيلٍ، وَتَعَبٍ شَدِيدٍ - انْتَهَى.

وَقَدْ عَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: أَتُحِبُّ أَنْ تَتَزَبَّبَ قَبْلَ أَنْ تَتَحَصْرَمَ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ مَالِكٍ أَيْضًا: تُرِيدُ أَخْذَ هَذَا الْعِلْمِ الْكَثِيرِ فِي الْوَقْتِ الْيَسِيرِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَكُلُّ هَذَا مُوَافِقٌ لِمُشْتَرِطِ التَّأَهُّلِ حِينَ الْإِجَازَةِ، كَمَا سَيَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي النَّوْعِ السَّابِعِ، وَفِي لَفْظِ الْإِجَازَةِ وَشَرْطِهَا. وَمَا حَكَاهُ أَبُو نَصْرٍ عَمَّنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لَا يَنْهَضُ دَلِيلًا عَلَى الْبُطْلَانِ، بَلْ هُوَ عَيْنُ النِّزَاعِ.

وَكَذَا مَا قَالَهُ الدَّبَّاسُ وَابْنُ حَزْمٍ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ ; لِمَا عُلِمَ مِنْ رَدِّهِ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَأَيْضًا فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ بِهَا قَبْلَ ثُبُوتِ الْخَبَرِ عَنِ الْمُجِيزِ، وَلَا بِدُونِ شُرُوطِ الرِّوَايَةِ، بَلْ قَيَّدَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ الصِّحَّةَ بِتَحَقُّقِ الْحَدِيثِ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْغَزَّالِيِّ فِي الْمُسْتَصْفَى.

وَكَذَا قَيَّدَ الْبَرْقَانِيُّ الصِّحَّةَ بِمَنْ كَانَتْ لَهُ نُسْخَةٌ مَنْقُولَةٌ مِنَ الْأَصْلِ أَوْ مُقَابَلَةٌ بِهِ، وَإِطْلَاقُ الْحَرْبِيِّ الْمَنْعَ - كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ - مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ;

<<  <  ج: ص:  >  >>