الْجِبِلَّةِ وَذَكِيِّ الْقَرِيحَةِ يَعْقِلُ دُونَ هَذَا السِّنِّ.
(وَ) مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّمْيِيزُ وَالْفَهْمُ خَاصَّةً دُونَ التَّقْيِيدِ بِسِنٍّ، أَنَّهُ قِيلَ لِلْإِمَامِ (ابْنِ حَنْبَلٍ) أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ مَا مَعْنَاهُ: (فَرَجُلٌ) ، هُوَ ابْنُ مَعِينٍ (قَالَ لِخَمْسَ عَشْرَةَ) سَنَةً (التَّحَمُّلُ يَجُوزُ لَا فِي دُونِهَا) مُتَمَسِّكًا بِأَنَّهُ «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ الْبَرَاءَ وَابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَوْمَ بَدْرٍ لِصِغَرِهِمَا» عَنْ هَذَا السِّنِّ (فَغَلَّطَهْ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَ (قَالَ) : بِئْسَ الْقَوْلُ هَذَا، بَلْ (إِذَا عَقَلَهُ) أَيِ: الْحَدِيثَ (وَضَبَطَهْ) صَحَّ تَحَمُّلُهُ وَسَمَاعُهُ وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا، كَيْفَ يُعْمَلُ بِوَكِيعٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ سَمِعَ قَبْلَ هَذَا السَّنِّ، قَالَ: وَإِنَّمَا ذَاكَ، يَعْنِي التَّقْيِيدَ بِهَذَا السِّنِّ، فِي الْقِتَالِ، يَعْنِي وَهُوَ يَقْصِدُ فِيهِ مَزِيدَ الْقُوَّةِ وَالْجِدِّ وَالتَّبَصُّرِ فِي الْحَرْبِ، فَكَانَتْ مَظَنَّتُهُ الْبُلُوغَ، وَالسَّمَاعُ يُقْصَدُ فِيهِ الْفَهْمُ، فَكَانَتْ مَظَنَّتُهُ التَّمْيِيزَ.
عَلَى أَنَّ قَوْلَ ابْنِ مَعِينٍ هَذَا يُوَجَّهُ بِحَمْلِهِ عَلَى إِرَادَةِ تَحْدِيدِ ابْتِدَاءِ الطَّلَبِ بِنَفْسِهِ، أَمَّا مَنْ سَمِعَ اتِّفَاقًا، أَوِ اعْتَنَى بِهِ فَسَمِعَ وَهُوَ صَغِيرٌ فَلَا، لَا سِيَّمَا وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ كَمَا أَسْلَفْتُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى قَبُولِ هَذَا.
وَمَعَ هَذَا فَاسْتِدْلَالُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ بِابْنِ عُيَيْنَةَ يَقْتَضِي مُخَالَفَتَهُ، وَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ - كَمَا تَقَدَّمَ - الضَّبْطُ لَا السِّنُّ، فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: إِنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ أَخْرَجَهُ أَبُوهُ إِلَى مَكَّةَ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَسَمِعَ مِنَ النَّاسِ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ وَابْنَ أَبِي نُجَيْحٍ فِي الْفِقْهِ، لَيْسَ تَضُمُّهُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَقْرَانِهِ إِلَّا وَجَدْتَهُ مُقَدَّمًا.
وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: أَتَيْتُ الزُّهْرِيَّ وَفِي أُذْنِي قِرْطٌ وَلِي ذُؤَابَةٌ، فَلَمَّا رَآنِي جَعَلَ يَقُولُ: وَاسِنِينَهُ وَاسِنِينَهُ هَهُنَا هَهُنَا، مَا رَأَيْتُ طَالِبَ عِلْمٍ أَصْغَرَ مِنْ هَذَا. رَوَاهُمَا الْخَطِيبُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute