مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا، فَحَمَلَ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى قَرَأْنَا عَلَيْهِ بِحَسَبِ شَرَهِنَا، ثُمَّ قُمْنَا، وَقَدْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ فِي إِكْرَامِنَا.
فَلَمَّا خَرَجْنَا قُلْتُ: هَلْ مَعَ سَادَتِنَا مَا نَصْرِفُهُ إِلَى الشَّيْخِ؟ فَمَالُوا إِلَى ذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ لَهُ نَحْوُ خَمْسَةِ مَثَاقِيلَ، فَدَعَوْتُ ابْنَتَهُ وَأَعْطَيْتُهَا، وَوَقَفْتُ لِأَرَى تَسْلِيمَهَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلَتْ وَأَعْطَتْهُ لَطَمَ حُرَّ وَجْهِهِ، وَنَادَى: وَافَضِيحَتَاهُ! آخُذُ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِوَضًا، لَا وَاللَّهِ، وَنَهَضَ حَافِيًا فَنَادَى بِحُرْمَةِ مَا بَيْنَنَا إِلَّا رَجَعْتُ، فَعُدْتُ إِلَيْهِ، فَبَكَى وَقَالَ: تَفْضَحُنِي مَعَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ؟ الْمَوْتُ أَهْوَنُ مِنْ ذَلِكَ. فَأَعَدْتُ الذَّهَبَ إِلَى الْجَمَاعَةِ، فَلَمْ يَقْبَلُوهُ وَتَصَدَّقُوا بِهِ.
وَمَرِضَ أَبُو الْفَتْحِ الْكَرُوخِيُّ رَاوِي التِّرْمِذِيِّ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بَعْضُ مَنْ كَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ شَيْئًا مِنَ الذَّهَبِ، فَمَا قَبِلَهُ، وَقَالَ: بَعْدَ السَّبْعِينَ وَاقْتِرَابِ الْأَجَلِ آخُذُ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا؟ وَرَدَّهُ مَعَ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ.
(لَكِنْ) الْحَافِظُ الْحُجَّةُ الثَّبْتُ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ (أَبُو نُعَيْمٍ) ، هُوَ (الْفَضْلُ) بْنُ دُكَيْنٍ، قَدْ (أَخَذْ) الْعِوَضَ عَلَى التَّحْدِيثِ، بِحَيْثُ كَانَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ دَرَاهِمُ صِحَاحٌ بَلْ مُكَسَّرَةٌ أَخَذَ صِرْفَهَا.
(وَ) كَذَا أَخَذَ (غَيْرُهُ) كَعَفَّانَ أَحَدِ الْحُفَّاظِ الْأَثْبَاتِ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا، فَقَدْ قَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَعْنِي الْإِمَامَ أَحْمَدَ، يَقُولُ: شَيْخَانِ كَانَ النَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِمَا وَيَذْكُرُونَهُمَا، وَكُنَّا نَلْقَى مِنَ النَّاسِ فِي أَمْرِهِمَا مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ، قَامَا لِلَّهِ بِأَمْرٍ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ أَوْ كَبِيرُ أَحَدٍ مِثْلَ مَا قَامَا بِهِ: عَفَّانُ وَأَبُو نُعَيْمٍ، يَعْنِي بِقِيَامِهِمَا عَدَمَ الْإِجَابَةِ فِي الْمِحْنَةِ، وَبِكَلَامِ النَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا كَانَا يَأْخُذَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute