وَصِنْفٌ كَانُوا يَتَكَسَّبُونَ بِذَلِكَ، وَيَرْتَزِقُونَ بِهِ فِي قِصَصِهِمْ وَمَوَاعِظِهِمْ.
وَصِنْفٌ يَلْجَئُونَ إِلَى إِقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَى مَا أَفْتَوْا فِيهِ بِآرَائِهِمْ فَيَضَعُونَهُ.
وَقَدْ حَصَلَ الضَّرَرُ بِجَمِيعِ هَؤُلَاءِ وَ (أَضَرُّهُمْ قَوْمٌ لِزُهْدٍ) وَصَلَاحٍ (نُسِبُوا) ; كَأَبِي بِشْرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ الْفَقِيهِ، وَأَبِي دَاوُدَ النَّخَعِيِّ (قَدْ وَضَعُوهَا) أَيِ: الْأَحَادِيثَ فِي الْفَضَائِلِ وَالرَّغَائِبِ (حِسْبَةً) أَيْ: لِلْحِسْبَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَحْتَسِبُونَ بِزَعْمِهِمُ الْبَاطِلِ وَجَهْلِهِمْ، لَا يُفَرِّقُونَ بِسَبَبِهِ بَيْنَ مَا يَجُوزُ لَهُمْ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ فِي صَنِيعِهِمْ ذَلِكَ - الْأَجْرَ وَطَلَبَ الثَّوَابِ ; لِكَوْنِهِمْ يَرُونَهُ قُرْبَةً، وَيَحْتَسِبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.
كَمَا يُحْكَى عَمَّنْ كَانَ يَتَصَدَّى لِلشَّهَادَةِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ ; زَاعِمًا لِلْخَيْرِ بِذَلِكَ ; لِكَوْنِ اشْتِغَالِ النَّاسِ بِالتَّعَبُّدِ بِالصَّوْمِ يَكُفُّهُمْ عَنْ مَفَاسِدَ تَقَعُ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ (فَقُبِلَتْ) تِلْكَ الْمَوْضُوعَاتُ (مِنْهُمْ رُكُونًا لَهُمُ) بِضَمِّ الْمِيمِ ; أَيْ مَيْلًا إِلَيْهِمْ وَوُثُوقًا بِهِمْ ; لِمَا اتَّصَفُوا بِهِ مِنَ التَّدَيُّنِ.
(وَنُقِلَتْ) عَنْهُمْ عَلَى لِسَانِ مَنْ هُوَ فِي الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِيَّةِ بِمَكَانٍ ; لِمَا عِنْدَهُ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ وَسَلَامَةِ الصَّدْرِ، وَعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ الْمُقْتَضِي لِحَمْلِ مَا سَمِعَهُ عَلَى الصِّدْقِ، وَعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ لِتَمْيِيزِ الْخَطَأِ مِنَ الصَّوَابِ (فَقَيَّضَ اللَّهُ لَهَا) أَيْ لِهَذِهِ الْمَوْضُوعَاتِ (نُقَّادَهَا) جَمْعَ نَاقِدٍ يُقَالُ: نَقَدْتُ الدَّرَاهِمَ، إِذَا اسْتَخْرَجْتَ مِنْهَا الزَّيْفَ، وَهُمُ الَّذِينَ خَصَّهُمُ اللَّهُ بِنُورِ السُّنَّةِ، وَقُوَّةِ الْبَصِيرَةِ، فَلَمْ تَخْفَ عَنْهُمْ حَالُ مُفْتَرٍ، وَلَا زُورُ كَذَّابٍ.
(فَبَيَّنُوا بِنَقْدِهِمْ فَسَادَهَا) ، وَمَيَّزُوا الْغَثَّ مِنَ السَّمِينِ، وَالْمُزَلْزَلَ مِنَ الْمَكِينِ، وَقَامُوا بِأَعْبَاءِ مَا تَحَمَّلُوهُ، وَلِذَا لَمَّا قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَصْنُوعَةُ؟ قَالَ: تَعِيشُ لَهَا الْجَهَابِذَةُ، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الْحِجْرِ: ٩] . انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute