١٦٠ - وَالشَّافِعِيُّ أَثْبَتَهُ بِمَرَّهْ ... قُلْتُ وَشَرُّهَا أَخُو التَّسْوِيَهْ.
لَمَّا تَمَّ مَا جَرَّ الْكَلَامُ إِلَيْهِ، رَجَعَ لِبَيَانِ التَّدْلِيسِ الْمُفْتَقِرِ حُكْمُ الْعَنْعَنَةِ لَهُ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الدَّلَسِ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ اخْتِلَاطُ الظَّلَامِ، كَأَنَّهُ لِتَغْطِيَتِهِ عَلَى الْوَاقِفِ عَلَيْهِ أَظْلَمَ أَمْرُهُ.
[تَدْلِيسُ الْإِسْنَادِ وَأَنْوَاعُهُ] : (تَدْلِيسُ الْإِسْنَادِ) وَهُوَ قِسْمَانِ: أَوَّلُهُمَا أَنْوَاعٌ (كَمَنْ يُسْقِطُ مَنْ حَدَّثَهُ) مِنَ الثِّقَاتِ لِصِغَرِهِ، أَوِ الضُّعَفَاءِ إِمَّا مُطْلَقًا، أَوْ عِنْدَ مَنْ عَدَاهُ، أَيْ: غَيْرِهِ.
(وَيَرْتَقِي) لِشَيْخِ شَيْخِهِ فَمَنْ فَوْقَهُ مِمَّنْ عُرِفَ لَهُ مِنْهُ سَمَاعٌ، (بِعَنْ وَأَنْ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ الْمُسَكَّنَةِ لِلضَّرُورَةِ، (وَقَالَ) وَغَيْرِهَا مِنَ الصِّيَغِ الْمُحْتَمِلَةِ لِئَلَّا يَكُونَ كَذِبًا (يُوهِمُ) بِذَلِكَ (اتِّصَالًا) ، فَخَرَجَ الْمُرْسَلُ الْخَفِيُّ، فَهُمَا وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي الِانْقِطَاعِ.
فَالْمُرْسَلُ يَخْتَصُّ بِمَنْ رَوَى عَمَّنْ عَاصَرَهُ وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ لَقِيَهُ، كَمَا حَقَّقَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِغَيْرِهِ، عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ ; لِإِطْبَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ الْمُخَضْرَمِينَ كَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَبِيلِ الْإِرْسَالِ لَا مِنْ قَبِيلِ التَّدْلِيسِ، فَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الْمُعَاصَرَةِ يُكْتَفَى بِهِ فِي التَّدْلِيسِ، لَكَانَ هَؤُلَاءِ مُدَلِّسِينَ ; لِأَنَّهُمْ عَاصَرُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطْعًا.
وَلَكِنْ لَمْ يُعْرَفْ هَلْ لَقُوهُ أَمْ لَا، وَكَنَّى شَيْخُنَا بِاللِّقَاءِ عَنِ السَّمَاعِ لِتَصْرِيحِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي تَعْرِيفِهِ بِالسَّمَاعِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ النَّاظِمُ فِي تَقْيِيدِهِ ; فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ: إِنَّهُ رِوَايَةُ الرَّاوِي عَمَّنْ لَقِيَهُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ مُوهِمًا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ، أَوْ عَمَّنْ عَاصَرَهُ وَلَمْ يَلْقَهُ مُوهِمًا أَنَّهُ قَدْ لَقِيَهُ وَسَمِعَهُ -: قَدْ حَدَّهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute