تَقَدَّمَ - فِي الْجَوَابِ عَنِ الْإِشْكَالِ مَا حَاصِلُهُ (أَنَّ انْفِرَادَ الْحُسْنِ) فِي سَنَدٍ أَوْ مَتْنٍ، الْحَسَنُ فِيهِ (ذُو اصْطِلَاحِ) أَيِ: الِاصْطِلَاحِيُّ الْمُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُصُورُ عَنِ الصِّحَّةِ.
(وَإِنْ يَكُنِ) الْحَدِيثُ (صَحَّ) أَيْ: وُصِفَ مَعَ الْحُسْنِ بِالصِّحَّةِ (فَلَيْسَ يَلْتَبِسْ) حِينَئِذٍ الْجَمْعُ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ، بَلِ الْحُسْنُ حَاصِلٌ لَا مَحَالَةَ تَبَعًا لِلصِّحَّةِ.
وَشَرْحُ هَذَا وَبَيَانُهُ: أَنَّ هَهُنَا صِفَاتٍ لِلرُّوَاةِ تَقْتَضِي قَبُولَ الرِّوَايَةِ، وَلِتِلْكَ الصِّفَاتِ دَرَجَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ; كَالتَّيَقُّظِ وَالْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ مَثَلًا، وَوُجُودُ الدَّرَجَةِ الدُّنْيَا كَالصِّدْقِ مَثَلًا وَعَدَمِ التُّهْمَةِ بِالْكَذِبِ - لَا يُنَافِيهِ وُجُودُ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ ; كَالْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ، فَإِذَا وُجِدَتِ الدَّرَجَةُ الْعُلْيَا، لَمْ يُنَافِ ذَلِكَ وُجُودَ الدُّنْيَا ; كَالْحِفْظِ مَعَ الصِّدْقِ.
فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا: إِنَّهُ حَسَنٌ بِاعْتِبَارِ وُجُودِ الصِّفَةِ الدُّنْيَا، وَهِيَ الصِّدْقُ مَثَلًا، صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ الصِّفَةِ الْعُلْيَا، وَهِيَ الْحِفْظُ وَالْإِتْقَانُ، قَالَ: وَعَلَى هَذَا (كُلُّ صَحِيحٍ حَسَنٌ لَا يَنْعَكِسُ) أَيْ: وَلَيْسَ كُلُّ حَسَنٍ صَحِيحًا، وَيَتَأَيَّدُ الشِّقُّ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِمْ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ.
وَسَبَقَهُ ابْنُ الْمَوَّاقِ، فَقَالَ: لَمْ يَخُصَّ التِّرْمِذِيُّ - يَعْنِي فِي تَعْرِيفِهِ السَّابِقِ - الْحَسَنَ بِصِفَةٍ تُمَيِّزُهُ عَنِ الصَّحِيحِ ; فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا إِلَّا هُوَ غَيْرُ شَاذٍّ، وَلَا يَكُونُ صَحِيحًا حَتَّى تَكُونَ رُوَاتُهُ غَيْرَ مُتَّهَمِينَ، بَلْ ثِقَاتٍ.
قَالَ: فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحُسْنَ عِنْدَهُ صِفَةٌ لَا تَخُصُّ هَذَا الْقِسْمَ، بَلْ قَدْ يَشْرِكُهُ فِيهَا الصَّحِيحُ، فَكُلُّ صَحِيحٍ عِنْدَهُ حَسَنٌ وَلَا يَنْعَكِسُ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا أَنَّهُ لَا يَكَادُ يَقُولُ فِي حَدِيثٍ يُصَحِّحُهُ إِلَّا: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(وَ) لَكِنْ قَدْ (أَوْرَدُوا) أَيِ: ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ - كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ أَوَّلَ الْقِسْمِ - (مَا صَحَّ مِنْ) أَحَادِيثَ (أَفْرَادٍ) ، أَيْ: لَيْسَ لَهَا إِلَّا إِسْنَادٌ وَاحِدٌ ; لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّعَدُّدِ فِي الصَّحِيحِ (حَيْثُ اشْتَرَطْنَا) كَالتِّرْمِذِيِّ فِي الْحَسَنِ (غَيْرَ مَا إِسْنَادِ) أَيْ: غَيْرَ إِسْنَادٍ، فَانْتَفَى حِينَئِذٍ - كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute