للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال آخرون: إن العفو من الذي قال له القصاص توجب الدية له على الذي كان له عليه القصاص، شاء ذلك الذي له عليه القصاص أو أبى، وهو القول الذي ذكر المزني (١): أنه الأولى بالشافعي، بعقب حكايته عن الشافعي: أن الدم العمد لا يُملكُ به المال إلا بمشيئة المجنى عليه، إن كان حياً، وبمشيئة الورثة إن كان ميتاً.

لا نعلم في تأويل العفو المذكور في هذه الآية قولاً غير هذه الأقوال التي ذكرنا، فتأملناها لنقف على الأولى منها بتأويل الآية إن شاء الله.

فبدأنا بقول من قال: إن من عفا عن القصاص إلى الدية استحق الدية بذلك، لأن تارك لبعض حقه. طالبُ لبقيته. فوجدنا ما قال من ذلك فاسداً، لأن الله عزّ وجلّ أوجب في القتل العمد غير الذي أوجب في القتل الخطأ، ولم يجعل واحداً منهما جزاءً من الآخر، ولما كان ذلك كذلك، عقلنا: أن من نزل عن المجعول له منهما، فقد نزل عن الذي أوجبه الله له إلى غيره، مما لم يوجبه له، فكان معقولاً: أن لا يجب ذلك له إلا برضا من كان له عليه الذي أوجبه الله عزّ وجلّ له عليه، ولأنه لو كان بنزوله عن ما أوجبه الله عزّ وجلّ له من القصاص يوجب له الدية الواجبة في القتل الخطأ، لوجبت له على من كانت تجب عليه، وهي العاقلة (٢)،


(١) المزني هو: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحي بن عمرو بن مسلم المزني المصري، تلميذ الشافعي، وهو قليل الرواية، ولكنه كان رأساً في الفقه،
وامتلأت البلاد بـ (مختصره) في الفقه. وصنف كتباً كثيرة منها: (الجامع الكبير) و (الجامع الصغير)، وكانت وفاته سنة (٢٦٤ هـ).
(سير أعلام النبلاء - ١٢/ ٤٩٢).
(٢) العاقلة هي: العصبة والأقارب من قبل الأب الذين يعطون دية قتيل الخطأ، وهي صفة جماعة عاقلة. و (العقل) هو الدية، وأصله: أن القاتل كان
إذا قتل قتيلاً جمع الدية من الإبل فعقلها - بمعنى ربطها وقيدها - بفناء دار أولياء المقتول ليسلمها إليهم، ويقبضونها منه، وكان أصل الدية من

الإبل، ثم قومت بعد ذلك بالذهب والفضة، والبقر والغنم وغيرها. (النهاية في غريب الحديث - ٣/ ٢٧٨).

<<  <   >  >>