للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجد شيئا؟ قال: لا، ولكني أجد حرًّا في صدري، ثم أنشأ يقول:

لَيْتَنِي كُنْتُ قَبْلَ ما قَدْ بَدَا لِي … فِي قلَالِ الجبالِ أرعى الوُعُولًا

اجْعَلِ الموتَ نُصْبَ عَيْنَيْكَ واحْذَرْ … غَولَةَ الدَّهْرِ إنَّ للدَّهْرِ غُولًا (١)

وقال مروان بن الحكم، عن معاوية بن أبي سفيان، (عن أبي سفيان) (٢) بن حرب، قال: خرجت أنا وأُميَّة بن أبي الصَّلْت تجارًا إلى الشام، فكان كلَّما نزلنا منزلًا (٣) أخرج منه سِفْرًا يقرؤه، فكنا كذلك حتى نزلنا بقرية من قرى النصارى فرأوه فعرفوه وأهدَوا له، وذهب معهم إلى بيعتهم، ثم رجع في وسط النهار فطرح نفسه، واستخرج ثوبين أسودين فلبسهما، ثم قال: يا أبا سفيان: هل لك في عالِمٍ من علماء النصارى، إليه تَنَاهى عِلْمُ الكتب تسأله عما بدا لك؟ قلت: لا، فمضى هو وحده وجاءنا بعد هَدْأة من الليل فطرح ثوبيه ثم انجدل على فراشه، فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح، وأصبح كئيبًا حزينًا ما يكلِّمنا ولا نكلِّمه، فَسَرَيْنَا ليلتين على ما به من الهمِّ. فقلت له: ما رأيتُ مثل الذي رجعتَ به من عند صاحبك! قال: لمنقلبي. قلت: وهل لك من منقلب؟ قال: إي والله لأموتنَّ ولأُحاسبنَّ. قلت: فهل أنت قابل أماني؟ قال: على ماذا؟ قلت: على أنك لا تُبْعَثُ ولا تُحاسَب، فضحك وقال: بلى والله لتبعَثُنَّ ولتُحَاسَبُنَّ، ولتدخُلُنَّ: فريقٌ في الجنة وفريق في السعير. قلت: ففي أيِّهما أنتَ أأخبرَكَ صاحبُك؟ قال: لا علم لصاحبي بذلك فيّ ولا في نفسه. فكنا في ذلك ليلتنا يعجب منا ونضحك منه حتى قَدِمْنا غوطة


(١) انظر هذه الأخبار في "الأغاني": (٤/ ١٢٥ - ١٣٢).
(٢) ساقط من "غ".
(٣) في "د": "قرية أو بمنزل".

<<  <  ج: ص:  >  >>