ولما كان هذا اليوم العظيم، ماثلاً أمام أعين المؤمنين، كان له أثره المباشر في حياتهم، ومعاملاتهم، وسلوكهم، وخاصة فيما فيه نفع للمسلمين، ودفع الضر عنهم، وتفريج كرباتهم، والوقوف معهم في حوائجهم، فلا يتأخرون طرفة عين في كل ما فيه نفع للمسلمين، ولذا مما سُطر عن أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين، عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، من كلمات سطرها التاريخ له بماء من ذهب، أصبحت مثلاً تقال في المناسبات، تُبين أثر خوف عمر بن الخطاب من مقام الوقوف بين يدي الله تعالى، الذي انعكس في شخص عمر، حتى أصبح مثلاً في كثير من القيم والمبادئ والأخلاق، يقول رضي الله عنه وأرضاه كلاماً ينبئ عن تمام العدل، وكمال المراقبة والخوف من الله تعالى، والخوف من المسؤولية التي تحملها على عاتقه، وهو مسؤول عنها عند الله عز وجل، يقول:(لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات، لتخوفت أن يسألني الله عنها، وأيم الله، إن المسؤول عن خاصة نفسه على عمله، فيما بين الله وبينه ليعرض، أمر كبير على خطر عظيم، فكيف بالمسؤول عن رعاية الأمة)(١).
فإذا كان خوف عمر رضي الله عنه، من ضياع سخلة، فكيف بضياع حقوق الرعية، فالتاريخ يشهد بأن عمر رضي الله عنه، قد حفظ الوعد والعهد، وقام بالرعية حق قيام، دافعه خوف الله تعالى، وحافزه خوف الوقوف بين يديه يوم الدين، وهذا يظهر جليا في قصته مع الأعرابي الذي وقف عليه وقال:
يا عمر الخير جزيت الجنة جهز بنياتي واكسهنّه أقسم بالله لتفعلنه
قال: فإن لم أفعل ماذا يا أعرابي؟ قال: أقسم بالله لأمضينه، قال: فإن مضيت يكون ماذا يا أعرابي؟ قال:
(١) ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: (١٠/ ٩٥)، يقول الإمام محمد بن رشد:" هذا من عمر بن الخطاب نهاية في الخوف لله؛ لأن مثل هذا لو وقع لم يؤاخذه الله به، إذ لم يكن بتضييع منه ولا إهمال ومن بلغ هذا الحد من الخشية فهو من الفائزين، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (٥٢)} [النور:٥٢] "، ابن رشد: البيان والتحصيل: (١٧/ ٣٨٥).