والضَّلالُ الَّذِي حَصَلَ أو الَّذِي اتَّصَفَ بِهِ مُوسَى حينَ قَتْلِه القِبْطِيَّ ضَلالٌ لا يُلام عليه؛ لِأَنَّهُ لم يأتِهِ وحيٌ ولا رسالة حينئذٍ، فهو معذورٌ، ومن هنا نعرِف أَنَّهُ يَصِحّ أنْ نصِفَ المخالفينَ للصوابِ من أهلِ العلمِ بالضَّلالةِ، لكن لا الضَّلال المُطْلَق الَّذِي يُذمّون عليه إذا عُرف أَنَّهُم أهلُ نُصحٍ فِي الإسلامِ، لكن أَخْطَئُوا بعدَ الإجتهادِ.
مثال ذلك: أنَّ كثيرًا من أهلِ العلمِ أَشَاعِرَة منَ الَّذين عُرفوا بالإخلاصِ للإسلامِ، وبمَقام الصِّدق فيه، ومعَ ذلك نَصِفُهم بأنَّهم ضَالّون، لكن لا الضَّلال المطلَق الَّذِي يُشمّ منه، أو يُشْعِر بالذمِّ والقَدْح، لكن المُراد مخالفة الصَّوابِ، وإلا سَنَجِدُ مَنْ يُشنِّع إذا قلنا مثلًا: ابنُ حَجَرٍ ضالٌّ، والنَّوَوِيُّ ضالٌّ، وكثير من أكابرِ العلماءِ مُخْطِئُون للصواب، أو مُخْطِئُون فيما يقولون، مجانِبُون للصوابِ، لكن لا نقول: لَيْسَ الضَّلال المطلَق الَّذِي يُذمُّ عليه الفاعلُ؛ لِأَنَّ الضَّلالَ مع الإجتهاد وتَحَرّي الحَقّ لا يُذَمّ عليه المرءُ وإنْ وُصِفَ به.
فكأنه يُشعر بعدمِ الإكتراثِ وبالتحدِّي لفِرْعَوْن، وأنه لم يبالِ به. يقول {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} والمُراد بالضَّلال: الجهلُ الَّذِي لَيْسَ عن عمْدٍ.