والصِّفَة الرابعةُ:{وَانْتَصَرُوا} يَعْنِي: لِأَنْفُسِهِم، قال تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}[الشورى: ٣٩]، {مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} إمَّا بهجاءِ الكفارِ لهم إذا كَان شاعرًا مقابلَ شاعرٍ، أو باعتداء الكفارِ عليهم أيضًا.
قَالَ المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} منَ الشُّعراء وغيرهم، {أَيَّ مُنْقَلَبٍ} مَرْجِع، {يَنْقَلِبُونَ} يَرجعون بعدَ الموتِ]. وهذه الجُملةُ فيها من التهديدِ ما لا يَخفى، يَعْنِي أن {الَّذِينَ ظَلَمُوا} سَيَعْلَمُونَ عن قُربٍ {أَيَّ مُنْقَلَبٍ} يكونُ انقلابهم، وهو المَرْجِع إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وهذا تهديدٌ بيِّن للظالمينَ.
والظُّلْم مَرْتَعٌ مُبْتَغيه وَخِيم، فالظلمُ من أقرب ما يكونُ في معاجلةِ العُقوبةِ، لا سِيَّما إنْ دعَا المظلومُ على ظَالِمِهِ؛ فإن الأمرَ يكونُ إليه سريعًا.
ثم إنّ الظُّلم نوعانِ:
أحدهما: ظُلم مُتَعَدٍّ للغيرِ.
الثَّاني: ظُلْمٌ للنفْسِ.
فإنْ كَان في مَعصيةِ اللهِ فهو ظُلْمٌ للنفسِ، وإنْ كَانَ فيه الإعتداءُ على الغَيْرِ، فهو ظُلْم للغيرِ، كما لو أخذَ ماله أو أفسدَ عليه شأنَه؛ فإن هذا منَ الظُّلْم المتعدِّي، واللهُ أعلمُ.