للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى الْأَرْض هونًا، وَفِي تعريفِ المبتدأ والخبرِ دليلٌ عَلَى الحصْرِ كما هو معروفٌ فِي القواعدِ؛ أَنَّهُ إذا عُرِّف المبتدأُ والخبرُ كَانَ ذلك دليلًا عَلَى الحَصْر، يَعْنِي أنَّ عبادَ الرَّحمنِ هم هؤلاءِ.

قوله: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} قول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [في سَكِينَةٍ وتَوَاضُعٍ، يَعْنِي ليستْ مِشْيَتُهم مِشْيَةَ الْإِنْسَانِ الَّذِي لَيْسَ بِمُتَّزِن، وإنَّما مِشْيَتُهم مِشْيَةُ اتِّزانٍ، هَوْنًا بِدُونِ سُرْعَةٍ، ولا ينافي ذلك ما ثَبَتَ عن النَّبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ من أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي بِقُوَّةٍ وجَلَد كأنَّما يَنْحَدِرُ مِن صَبَبٍ (١)، فإنَّما ذلك لِقُوَّتِه، وليس هَذَا من بابِ العَجَلَة الَّتِي تُقَبَّح، ففَرَّقٌ بَيْنَ إنْسَانٍ يمشي كمِشيةِ المجنونِ غير المهذَّب، وإنْسَان يَمْشِي بقوَّةٍ ولَكِنَّه يمْشِي مشيًا مُتَّزِنًا، فالأوَّلُ مذمومٌ، والثَّاني محمودٌ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى النشاطِ وعلى القوَّة، وأريحُ للبَدَنِ وأسرعُ فِي بلوغِ الغايةِ، كما كَانَ الرَّسولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَفْعَلُ، وأيضًا كَانَ عمرُ إذا رأَى الرجل يَتَوَانَى فِي مِشْيَتِهِ ضَرَبَه.

ثمَّ إنَّ هَذَا المشيَ هل هو المشيُ الحِسِّيّ أو يَعُمُّ المشيَ الحِسِّيَّ والمَعْنَوِيَّ؟

الجواب: يَعُمُّهُما جميعًا، حَتَّى المشي المَعْنَوِيّ، بدليل قولِه عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}، وهذا من هَوْنِ المشي المعنويّ، أَنَّهُمْ إذا خاطَبَهُمُ الجاهلونَ لا يَتَسَرَّعُونَ فيقابلونه بمثلِ جَهْلِه، ولَكِنَّهم يَقُولُونَ: سلامًا.

قوله: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ} وليسَ المرادُ بالجاهلِ الَّذِي لَيْسَ بعالمٍ، بل المرادُ السَّفِيهُ؛ لأنَّ الجَهَالَة تُطْلَق عَلَى السَّفَه، قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء: ١٧]، يَعْنِي السَّفَه، ثم يَرْشُدُون.


(١) أخرجه الترمذي: أبواب المناقب، رقم (٣٦٣٧).

<<  <   >  >>