فاعل (استوى)؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ ما يَرجع إليه الضميرُ فِي (استوى)، ولَكِن لا مانعَ من أنْ نَجْعَلَهُ فاعلًا عَلَى أن يَكُونَ إظهارًا فِي مَقامِ الإضمارِ، وإلَّا صحيحٌ أنَّ ظاهرَ السياقِ يَقتضى أن يَكُونَ (خلق السَّموات ثم استوى)، يَعْنِي (هو)؛ لِأَنَّ الفاعلَ ضَمير مُسْتَتِرٌ؛ ويَكُون (الرَّحمن) بدلًا؛ كما قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ، هذَا وجهٌ، لَكِننا نقولُ: إِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَيّن؛ لجوازِ أنْ يَكُونَ (الرَّحمن) -كما تَقَدَّمَ- فاعلًا، عَلَى أنَّهُ إظهار فِي مَقامِ الإضمارِ.
وذكروا فِيهِ أَيْضًا وَجْهًا ثالثًا، وهو أنْ يَكُونَ مبتدأً، وخبره {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}، وأن يَكُونَ خبرَا لمبتدأٍ محذوف تقديرُه: هو الرَّحمن، ولَكِن ما ذَهبْنَا إليه أَوْلَى، ويَكُون فائدة الإضمار هنا بيان أن هذَا الاستواءَ والعلوَّ الخاصَّ لَيْسَ كعُلُوِّ المتجَبِّرينَ المتكبِّرينَ، بل هو علوّ رَحمَن واسع الرَّحمة؛ لأنَّ عادةَ البشرِ أو الملوكِ إذا اسْتَوُوا عَلَى عُرُوشِهم أنْ يَكُونَ لديهم فِي الغالبِ مِنَ الجَبَرُوت والعَظَمة ما يَتَخَيَّلُونه إذا استووا عَلَى عروشهم، ولَكِن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى معَ عُلُوِّهِ العظيمِ عَلَى عرشِه العظيمِ هو رحمنٌ واسعُ الرَّحمةِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ}.
وقول المُفَسِّر:[أي استواء يَليق به] السؤال الأوَّل عَلَى هذه الجملة: هل هَذِهِ الجملةُ تدلُّ عَلَى أن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ لم يحرف؟
أنا راجعتُ عِدَّة مواضع يقول:[استواء يليق به]، وفِي رأيي أنها فِي الحقيقةِ لا تُثبِت ولا تَنفي؛ لأَنَّهُ ما ذَكَرَ إِلَّا صفةَ الاستواءِ فقطْ، يَعنِي لم يَتَعَرَّضْ إِلَّا لِأَنَّ صفة الاستواء تَلِيقُ بِهِ، لكِن معنى الاستواء ما تَكَلَّمَ عنه، لكِن فِي الحقيقةِ أنَّا أَرَى أن هذَا يُومِئُ إِلَى مَذْهبِ أهلِ السنَّة والجَماعَةِ؛ لأنَّهُ لو كَانَ يَرَى أن {اسْتَوَى} بمعنى استولَى ما قَالَ: [استواء يليق بِهِ]؛ إذ لا يُمْكِن أنْ يَكُونَ المعنى استولَى