قَوْلهُ:{طَوَّافُونَ} خبر مُبْتَدَأ محذوف، والتَّقدير: هم طوّافون، والجُمْلَة هَذِهِ تعليل؛ لقَوْله:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ}، لماذا لَيْسَ عليهم جُناح؟ لأنهم {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} يعني: مترددين، فالطَّائف بمَعْنى المتردد ومنه الطَّائف بالبَيْت لأَنَّه يتردد عليه، ومنه قَوْل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - في الهرة:"إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ"(١)، أي: من المترددين عليكم، ومنه قَوْل النَّاس للمساكين: طوّافين؛ لأنهم يترددون على النَّاس يسألونهم.
لماذا لم يكن علَيْنا ولا عليهم جناح بعدهنَّ؟ لأنَّهم طوّافون مترددون، فلو ألزموا بأن يستأذنوا كلما دخلوا لكان في ذَلِك مشقَّة عليهم وعلى أهل البَيْت أيضًا؛ لأَن أهل البَيْت قد يَكُونون مُنشغلِين ولا يسمعون المستأذن، وقد يثقل عليهم الردُّ لأنهم منشغلون، فيَكُون في ذَلِك مشقَّة على المُستأذن وعلى صاحب البَيْت، ولو ألزم الصَّبي الَّذِي له ستُّ سنوات أو عشرُ سنوات كلمَّا خرج من البَيْت أو دخل نقول له: لا بُدَّ أن تستأذن.
وكَذلِك المملوك هَذَا فيه مشقَّة كَبيرَة علَيْه وعلى أهل البَيْت؛ لِهَذَا انتفى الحرج لِوُجود المشقَّة، وسيأتي - إِنْ شَاء اللهُ - ذكر ذَلِك في الفوائد.
وقَوْلهُ:{بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} قدّره المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ بقَوْلهُ: [طَائِف عَلَى بَعْضٍ] وعلى هَذَا فالجُمْلَة الثَّانية {بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} وتأكيد للجملة الأولى الَّتِي هي {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} فبعضكم يطوف على بعض، ويتردد على بعض.
(١) أخرجه أَبو داود، كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة، حديث رقم (٧٥)، والنَّسائي، كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة، حديث رقم (٦٨)، والتِّرمِذي، كتاب الطهارة، باب ما جاء في سؤر الهرة، حديث رقم (٩٢)، وابن ماجة، كتاب الطهارة وسننها، باب الوضوء بسؤر الهرة والرخصة في ذلك، حديث رقم (٣٦٧)، أحمد (٥/ ٣٠٣) (٢٢٦٣٣)؛ عن أبي قَتَادة.