للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

خُرُوجِهِ إِنْسَانًا مُعَيَّنًا، أَوْ جَاءَ التَّعْيِينُ بِالِاتِّفَاقِ؟ احْتِمَالَانِ: قَالَ بَعْضُهُمُ: الْأَصَحُّ أَنَّ أَوَّلَ خَاطِرٍ حَرَّكَهُ لِلْخُرُوجِ، لَمْ يَكُنْ إِلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ ; لِأَنَّ الْكُمَّلَ لَا يَعْتَمِدُونَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ، زَادَ فِي مُسْلِمٍ: فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، فَقَالَ لَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيْنَ فُلَانٌ؟ وَفِي التِّرْمِذِيِّ: «فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا الْمَاءَ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِقِرْبَةٍ، فَوَضَعَهَا، ثُمَّ جَاءَ يَلْتَزِمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَفْدِيهِ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» .

وَفِي مُسْلِمٍ: «فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَجِدُ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي،» (فَأَمَرَ لَهُمْ بِشَعِيرٍ عِنْدَهُ يُعْمَلُ) خَبَزَا، (وَقَامَ يَذْبَحُ لَهُمْ شَاةً) ، وَفِي مُسْلِمٍ: وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَكِّبْ) - بِفَتْحِ النُّونِ، وَكَسْرِ الْكَافِ الثَّقِيلَةِ، وَمُوَحَّدَةٍ - أَيْ أَعْرِضْ (عَنْ ذَاتِ الدَّرِّ) ، أَيِ اللَّبَنِ.

وَفِي مُسْلِمٍ فَقَالَ لَهُ: «إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ» ، نَهَاهُ عَنْ ذَبْحِهَا شَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ بِانْتِفَاعِهِمْ بِلَبَنِهَا، مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِغَيْرِهَا، فَهُوَ نَهْيُ إِرْشَادٍ لَا كَرَاهَةٍ فِي مُخَالَفَتِهِ لِزِيَادَةِ إِكْرَامِ الضَّيْفِ، لَكِنَّهُ امْتَثَلَ الْأَمْرَ، (فَذَبَحَ لَهُمْ شَاةً) عَنَاقًا، أَوْ جَدْيًا كَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ بِالشَّكِّ، وَالْعَنَاقُ بِالْفَتْحِ أُنْثَى الْمَعْزِ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يُتِمَّ سَنَةً، وَالْجَدْيُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ -: ذَكَرُ الْمَعْزِ لَمْ يَبْلُغْ سَنَةَ.

وَفِي التِّرْمِذِيِّ: «انْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى حَدِيقَةٍ، فَبَسَطَ لَهُمْ بِسَاطًا، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى نَخْلَةٍ، فَجَاءَ بِقِنْوٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَقَالَ: كُلُوا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفَلَا تَنَقَّيْتَ لَنَا مَنْ رُطَبِهِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ تَخْتَارُوا» .

وَفِي رِوَايَةٍ: أَحْبَبْتُ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ تَمْرِهِ، وَبُسْرِهِ، وَرُطَبِهِ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ بِمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ الَّذِي تَيَسَّرَ فَوْرًا بِلَا كُلْفَةٍ لَا سِيَّمَا مَعَ تَحَقُّقِهِ حَاجَتَهُمْ، وَلِأَنَّ فِيهِ أَلْوَانًا ثَلَاثَةً، وَلِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِمَا يُتَفَكَّهُ بِهِ مِنَ الْحَلَاوَةِ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ مُقَوٍّ لِلْمَعِدَةِ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ هَضْمًا.

(وَاسْتَعْذَبَ لَهُمْ مَاءً) ، أَيْ جَاءَ لَهُمْ بِمَاءٍ عَذْبٍ، وَكَانَ أَكْثَرُ مِيَاهِ الْمَدِينَةِ مَالِحَةً، وَفِيهِ حِلُّ اسْتِعْذَابِ الْمَاءِ، وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي الزُّهْدَ.

(فَعُلِّقَ فِي نَخْلَةٍ) لِيُصِيبَهُ بَرْدُ الْهَوَاءِ، فَيَصِيرُ عَذْبًا بَارِدًا.

(ثُمَّ أَتَوْا بِذَلِكَ الطَّعَامِ) خُبْزِ الشَّعِيرِ، وَالشَّاةِ، رُوِيَ أَنَّهُ شَوَى نِصْفَهُ، وَطَبَخَ نِصْفَهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بِهِ فَلَمَّا وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنَ الْجَدْيِ، فَوَضَعَهُ فِي رَغِيفٍ، وَقَالَ لِلْأَنْصَارِيِّ: أَبْلِغْ بِهَذَا فَاطِمَةَ لَمْ تُصِبْ مِثْلَهُ مُنْذُ أَيَّامٍ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَيْهَا، (فَأَكَلُوا مِنْهُ وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ) الْعَذْبِ الْبَارِدِ، ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَتُسْأَلُنَّ عَنْ نَعِيمِ هَذَا الْيَوْمِ» ) قِيلَ: سُؤَالُ امْتِنَانٍ لَا سُؤَالُ حِسَابٍ.

وَقِيلَ: سُؤَالُ حِسَابٍ دُونَ مُنَاقَشَةٍ حَكَاهُمَا الْبَاجِيُّ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: هَذَا سُؤَالُ تَشْرِيفٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>