للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

إِلَى غَيْرِ وَاحِدٍ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ.

(وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) إِيمَانًا كَامِلًا، ( «فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» ) بِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَالْإِتْحَافِ وَالزِّيَادَةِ (جَائِزَتُهُ) - بِجِيمٍ، وَزَايٍ مَنْقُوطَةٍ - أَيْ مِنْحَتُهُ، وَعَطِيَّتُهُ وَإِتْحَافُهُ بِأَفْضَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، رُوِيَ بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) ، وَبِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ ثَانِي لِيُكْرِمْ ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى يُعْطِي، أَوْ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ بِجَائِزَتِهِ، وَهِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَبَدَلُ اشْتِمَالٍ، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: " «فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ، قَالُوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» "، (وَضِيَافَتُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) بِالْيَوْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ ثَلَاثَةٌ بَعْدَهُ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ، لَكِنْ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ: «الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ، قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: مَعْنَى جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَنْ يُتْحِفَهُ، وَيُكْرِمَهُ بِأَفْضَلِ مَا يَسْتَطِيعُهُ، وَضِيَافَتُهُ ثَلَاثَةٌ كَأَنَّهُ يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ كَمَا يَتَكَلَّفُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ.

قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضِّيَافَةَ لِمَنْ أَرَادَ الْجَوَازَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَلِمَنْ أَرَادَ الْمَقَامَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ.

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَيْ يَتَكَلَّفُ لَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَيُتْحِفُهُ وَيَزِيدُ فِي الْبِرِّ عَلَى مَا يُحْضِرُهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَفِي الْيَوْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ يُقَدِّمُ لَهُ مَا حَضَرَ، فَإِذَا مَضَتِ الثَّلَاثُ فَقَدْ مَضَى حَقُّهُ.

(فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ) مِمَّا يُحْضِرُهُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، (فَهُوَ صَدَقَةٌ) عَلَيْهِ، وَفِي التَّعْبِيرِ بِصَدَقَةٍ تَنْفِيرٌ عَنْهُ ; لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا سِيَّمَا الْأَغْنِيَاءُ يَأْنَفُونَ غَالِبًا مِنْ أَكْلِ الصَّدَقَةِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أَصْهَارِهِ، فَيَأْتِيهِ طَعَامُهُ مِنْ عِنْدِ دَارِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ، فَيَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ يَقُولُ: احْبِسُوا عَنَّا صَدَقَتَكُمْ، وَيَقُولُ لِنَافِعٍ: أَنْفِقْ مِنْ عِنْدِكَ الْآنَ، أَخْرَجَهُ أَبُو عُمَرَ فِي التَّمْهِيدِ.

(وَلَا يَحِلُّ لَهُ) لِلضَّيْفِ (أَنْ يَثْوِيَ) - بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ، وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ، وَكَسْرِ الْوَاوِ، أَيْ يُقِيمَ (عِنْدَهُ) عِنْدَ مَنْ أَضَافَهُ (حَتَّى يُحْرِجَهُ) - بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ، وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَجِيمٍ - مِنَ الْحَرَجِ، وَهُوَ الضِّيقُ قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَيْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ حَتَّى يُؤَثِّمَهُ، وَهُوَ أَنْ يَضُرَّ بِهِ مَقَامَهُ، فَيَقُولَ أَوْ يَفْعَلَ مَا يُؤَثِّمُهُ، انْتَهَى.

وَلِمُسْلِمٍ: حَتَّى يُؤَثِّمَهُ، أَيْ يُوقِعَهُ فِي الْإِثْمِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَغْتَابُهُ لِطُولِ إِقَامَتِهِ، أَوْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُؤْذِيهِ، أَوْ يَظُنُّ بِهِ ظَنًّا سَيِّئًا، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا ارْتَفَعَ الْحَرَجُ جَازَتِ الْإِقَامَةُ بَعْدَ أَنْ يَخْتَارَ الْمُضِيفُ إِقَامَةَ الضَّيْفِ، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الضَّيْفِ أَنَّ الْمُضِيفَ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْإِكْرَامِ لِلِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الضِّيَافَةَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الدِّينِ، وَخُلُقِ النَّبِيِّينَ لَا وَاجِبَةٌ لِقَوْلِهِ: جَائِزَةُ، وَالْجَائِزَةُ تَفَضُّلٌ وَإِحْسَانٌ لَا تَجِبُ اتِّفَاقًا، هَكَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ، وَابْنُ بَطَّالٍ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ: تَجِبُ الضِّيَافَةُ لَيْلَةً وَاحِدَةً لِلْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ: " «لَيْلَةُ الضَّيْفِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» "

<<  <  ج: ص:  >  >>