للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

مَنْدُوبًا، وَيَجْمَعُ الْجَمِيعَ أَنَّهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. وَجَاءَ تَفْسِيرُ الْإِحْسَانِ وَالْإِكْرَامِ لِلْجَارِ فِي أَخْبَارٍ أُخَرَ مِنْهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْخَرَائِطِيُّ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، قُلْتُ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ جَارِي عَلِيَّ؟ قَالَ: إِنْ مَرِضَ عُدْتَهُ، وَإِنْ مَاتَ شَيَّعْتَهُ، وَإِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِنَّ أَعْوَزَ سَتَرْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّيْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ، وَلَا تَرْفَعْ بِنَاءَكَ فَوْقَ بِنَائِهِ فَتَسُدَّ عَلَيْهِ الرِّيحَ، وَلَا تُؤْذِيهِ بِرِيحِ قِدْرِكَ إِلَّا أَنْ تَغْرِفَ لَهُ مِنْهَا» "، وَرَوَى الْخَرَائِطِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ مُعَاذٍ: «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ الْجَارِ عَلَى جَارِهِ؟ قَالَ: إِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضَتْهُ، وَإِنِ اسْتَعَانَكَ أَعَنْتَهُ، وَإِنْ مَرِضَ عُدْتَهُ، وَإِنِ احْتَاجَ أَعْطَيْتَهُ، وَإِنِ افْتَقَرَ عُدْتَ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّيْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ، وَإِنْ مَاتَ اتَّبَعَتْ جِنَازَتَهُ، وَلَا تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ الْبِنَاءَ فَتَحْجُبَ عَنْهُ الرِّيحَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تُؤْذِيهِ بِرِيحِ قِدْرِكَ إِلَّا أَنْ تَغْرِفَ لَهُ مِنْهَا "، وَإِنِ اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً، فَأَهْدِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَأَدْخِلْهَا سِرًّا، وَلَا تُخْرِجْ بِهَا وَلَدَكَ لِيَغِيظَ بِهَا وَلَدَهُ» "، وَرَوَاهُ الْخَرَائِطِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ، وَأَسَانِيدُهُمْ وَاهِيَةٌ، لَكِنَّ تَعَدُّدَ مَخَارِجِهَا يُشْعِرُ بِأَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا.

قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: وَإِكْرَامُ الْجَارِ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ، وَالَّذِي يَشْمَلُ جَمِيعَ وُجُوهِ، الْإِكْرَامُ إِرَادَةُ الْخَيْرِ لَهُ، وَمَوْعِظَتُهُ بِالْحُسْنَى، وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالْهِدَايَةِ، وَتَرْكُ الْإِضْرَارِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ حِسِّيًّا كَانَ أَوْ مَعْنَوِيًّا، إِلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْإِضْرَارُ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ، وَالَّذِي يَخُصُّ الصَّالِحَ هُوَ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ، وَغَيْرَ الصَّالِحِ كَفُّهُ عَمَّا يَرْتَكِبُهُ بِالْحُسْنَى عَلَى حَسَبِ مَرَاتِبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَعِظُ الْكَافِرَ بِعَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ، وَإِظْهَارِ مَحَاسِنِهِ، وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَالْفَاسِقَ بِمَا يَلِيقُ بِهِ بِرِفْقٍ، فَإِنْ أَفَادَ، وَإِلَّا هَجَرَهُ قَاصِدًا تَأْدِيبَهُ مَعَ إِعْلَامِهِ بِالسَّبَبِ، وَهُنَا تَنْبِيهٌ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا أُمِرَ بِإِكْرَامِ الْجَارِ مَعَ الْحَائِلِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْعَى حَقَّ الْحَافِظَيْنِ اللَّذَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا جِدَارٌ، وَلَا حَائِلٌ، فَلَا يُؤْذِيهِمَا بِأَنْوَاعِ الْمُخَالَفَاتِ فِي مُرُورِ السَّاعَاتِ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُمَا يُسَرَّانِ بِالْحَسَنَاتِ وَيَحْزَنَانِ بِالسَّيِّئَاتِ، فَيَنْبَغِي إِكْرَامُهُمَا وَرِعَايَةُ جَانِبِهِمَا بِالْإِكْثَارِ مِنْ عَمَلِ الطَّاعَاتِ، وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى تَجَنُّبِ الْمَعَاصِي، فَهُمَا أَوْلَى بِالْإِكْرَامِ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْجِيرَانِ اه.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: حَدُّ الْجِوَارِ فِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ مَرْفُوعًا، إِلَى أَرْبَعِينَ دَارًا، وَلَمْ يَثْبُتْ، وَعَنَوْا بِهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَهَذَا دَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا، وَالَّذِي يَتَحَصَّلُ عِنْدَ النَّظَرِ أَنَّ الْجَارَ لَهُ مَرَاتِبٌ: الْأَوَّلُ الْمُلَاصَقَةُ، وَالثَّانِي الْمُخَالَطَةُ بِأَنْ يَجْمَعَهُمَا مَسْجِدٌ، أَوْ مَجْلِسٌ، أَوْ بُيُوتٌ، وَيَتَأَكَّدُ الْحَقُّ مَعَ الْمُسْلِمِ، وَيَبْقَى أَصْلُهُ مَعَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْعَاصِي بِالتَّسَتُّرِ عَلَيْهِ اه.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا» "، قَالَ الزَّوَاوِيُّ: هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِذَا كَانَ الْمَشْيُ قَلِيلًا فَالْأَقْرَبُ بَابًا أَوْلَى بِهِ، فَأَمَّا مَعَ السَّعَةِ وَكَثْرَةِ مَا يُهْدَى فَلْيُهْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>