للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: أنه ليس به ضرورة إلى هذا الدواء المحرم؛ لأنه قد يكون الشفاء في غيره، أو يشفى بلا دواء.

الثالث: أننا لا نعلم أن يحصل الشفاء في تناوله؛ فكم من دواء حلال تداوى به المريض ولم ينتفع به؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحبة السوداء: «إنها شفاء من كل داء إلا السام - يعني الموت» (١)؛ فهذه مع كونها شفاءً لا تمنع الموت؛ ولذلك لو اضطر إلى شرب خمر لدفع لقمة غص بها جاز له ذلك، لأن الضرورة محققة، واندفاعها بهذا الشرب محقق.

الخلاصة الآن: أخذنا من هذه الآية الكريمة: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} قاعدتين متفقاً عليهما؛ وهما:

أ - لا واجب مع العجز.

ب - ولا محرم مع الضرورة.

٣ - ومن فوائد الآية: أن الإنسان لا يحمل وزر غيره؛ لقوله تعالى: {وعليها ما اكتسبت}.

إذا قال قائل: ما تقولون في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» (٢)؟

فالجواب: أن هذا لا يرد؛ لأن الذي فعلها أولاً اقتدى الناس به؛ فكان اقتداؤهم به من آثار فعله؛ ولما كان هو


(١) أخرجه البخاري ص ٤٨٧، كتاب الطب، باب ٧: الحبة السوداء، حديث رقم ٥٦٨٧؛ وأخرجه مسلم ص ١٠٧٠، كتاب السلام، باب ٢٩: التداوي بالحبة السوداء، حديث رقم ٥٧٦٦ [٨٨] ٢٢١٥.
(٢) سبق تخريجه ٢/ ٤٢.