للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدهما للآخر، بل القدر ينصر الشرع، والشرع يصدِّق القدر، وكلٌّ منهما يحقق الآخر، وإذا عُرِف هذا فالرِّضا بالقضاء الديني الشرعي واجب، وهو أساس الإسلام وقاعدة الإيمان، فيجب على العبد أن يكون راضيًا به بلا حرج ولا منازعة ولا معارضة ولا اعتراض، قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (١).

والرِّضا بالقضاء الكوني القدري الموافق لمحبَّة العبد وإرادته ورضاه -من الصحة، والغنى، والعافية، واللذة- أمرٌ لازمٌ بمقتضى الطبيعة؛ لأنه ملائم للعبد، محبوب له، فليس في الرِّضا به عبودية، بل العبودية في مقابلته بالشُّكر، والاعتراف بالمنَّة، ووضع النِّعمة مواضعها التي يحبُّ الله أن تُوضع فيها، وأن لا يعصى المنعم بها، وأن يرى التقصير في جميع ذلك.

والرِّضا بالقضاء الكوني القدري الجاري على خلاف مراد العبد ومحبته -مما لا يلائمه، ولا يدخل تحت اختياره- مستحبٌّ، وهو من مقامات أهل الإيمان، وفي وجوبه قولان، وهذا كالمرض والفقر، وأذى الخلق له، والحر والبرد، والآلام ونحو ذلك.

والرِّضا بالقدر الجاري عليه باختياره -مما يكرهه الله ويسخطه، وينهى عنه كأنواع الظلم والفسوق والعصيان- حرامٌ يعاقب عليه، وهو مخالفة لربه تعالى، فإنَّ الله لا يرضى بذلك ولا يحبه، فكيف تتفق المحبة ورضا ما يسخطه الحبيب ويبغضه؟ فعليك بهذا التفصيل في مسألة الرضا بالقضاء" (٢).


(١) سورة النساء: ٦٥.
(٢) مدارج السالكين ٢/ ١٨٨ - ١٨٩.

<<  <   >  >>