وقالت طائفةٌ أخرى: يطلق الرِّضا بالقضاء في الجملة، دون تفاصيل المقضي المقدَّر.
فنقول: نرضى بقضاء الله جملةً ولا نسخطه، ولا نطلق الرِّضا على كلِّ واحد من تفاصيل المقضي.
وقالت طائفةٌ أخرى: نرضى بها من جهة إضافتها إلى الرَّبِّ خلقًا ومشيئة، ونسخطها من جهة إضافتها إلى العبد كسبًا له وقيامًا به.
وقالت طائفةٌ أخرى: بل نرضى بالقضاء ونسخط المقضي، فالرِّضا والسخط لم يتعلَّقا بشيءٍ واحد" (١).
وكذلك وضَّح ابن القيم رأيه في هذه المسألة وما يدين الله به فقال: "والذي يكشف هذه الغُمَّة، ويبصِّر من هذه العماية، وينجي من هذه الورطة إنما هو التفريق بين ما فرَّق الله بينه، وهو المشيئة والمحبَّة، فإنهما ليسا واحدًا، ولا هما متلازمين، بل قد يشاء ما لا يحبه، ويحب ما لا يشاء كونه.
فالأول: كمشيئته لوجود إبليس وجنوده, ومشيئته العامَّة لجميع ما في الكون مع بغضه لبعضه.
والثاني: كمحبَّته إيمان الكفَّار، وطاعات الفجَّار، وعدل الظالمين، وتوبة الفاسقين، ولو شاء ذلك لوجد كله وكان جميعه، فإنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
فإذا تقرَّر هذا الأصل، وأنَّ الفعل غير المفعول، والقضاء غير المقضي، وأنَّ الله سبحانه لم يأمر عباده بالرِّضا بكلِّ ما خلقه وشاءه، زالت الشبهات، وانحلَّت الإشكالات، ولله الحمد، ولم يبق بين شرع الرَّب وقدره تناقض، بحيث يظنُّ إبطال