للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذا ليست هذه الكلمة لفظة تُقال، وإن كان مجرد قولها يحمى بها المرء دمه، وماله، وعرضه إلا بحقها، ولكن مالم تكن مقرونة بشروطها، ممزوجة بحقائقها، فإنها لا تنفع، يقول الإمام ابن القيم: " وليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه لا خالق إلا الله، وأن الله رب كل شيء ومليكه، كما كان عبَّاد الأصنام مقرين بذلك، وهم مشركون. بل التوحيد يتضمن من محبة الله، والخضوع له، والذل له، وكمال الانقياد لطاعته، وإخلاص العبادة له، وإرادة وجهه الأعلى، بجميع الأقوال والأعمال، والمنع والعطاء، والحب والبغض، ما يحول بين صاحبه، وبين الأسباب الداعية إلى المعاصي، والإصرار عليها ... والشارع صلوات الله وسلامه عليه لم يجعل ذلك حاصلاً بمجرد قول اللسان فقط، فإن هذا خلاف المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام، فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم، وهم تحت الجاحدين لها في الدرك الأسفل من النار، فلا بُدَّ من قول القلب، وقول اللسان. " (١)

وشروط كلمة التوحيد، هي نتاج استقراء الأئمة من النصوص، وهذه التقسيمات مسائل اصطلاحية، لا تُؤثر على الواقع شيئاً، دام أن الحقيقة باقية على ما هي عليه، فكما قيل: لا مشاحة في الاصطلاح.

فكلمة التوحيد مثل المفتاح، والمفتاح لا يمكن أن يفتح، مالم يكن له أسنان، فكذلك كلمة التوحيد، فأسنانها شروطها التي بها تُؤدي ثمارها.

وقد قيل لوهب بن منبه (٢): أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان، فتح لك، وإلا لم يُفتح لك. (٣)

وقد تأول العلماء قول وهب بن منبه في مراده بالأسنان:


(١) ابن القيم: مدارج السالكين: ١/ ٣٤٠
(٢) وهب بن منبه: (٣٤ هـ ـ ت ١١٤ هـ)، مؤرخ، كثير الأخبار عن الكتب القديمة، عالم بأساطير الأولين، ولاسيما الإسرائيليات، يُعد في التابعين، أصله من أبناء فارس، وأمه من حمير، ولد ومات بصنعاء، من كتبه، قصص الأنبياء. الزركلي: الأعلام: ٨/ ١٢٦
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه معلقاً في كتاب الجنائز، باب من كان آخر كلامه من الدنيا لاإله إلا الله.

<<  <   >  >>