للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يقتصر جهد السمعاني على بيان ما يُضاد أصل التوحيد، بل تتبع كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، وأبان ما لها من الشروط والفضائل، وهذه الشروط وإن لم ينص عليها صراحة، لكنه أشار إليها في مواضعها من الكتاب والسنة، فلا مُشاحة في الاصطلاح ما دام المعنى المقصود بيّن واضح، فالنصوص تُبين بجلاء، أن كلمة التوحيد لابد لها من شروط؛ حتى تُؤتي ثمارها، والشروط التي ذكرها العلماء سبعة: (العلم، واليقين، والإخلاص، والصدق، والمحبة، والانقياد، والقبول).

ولما كانت كلمة التوحيد أعظم كلمة تُقال، ذكر السمعاني في تفسيره ما يزيد عن ثلاثين فضيلة لهذه الكلمة العظيمة، وهذا يدل على جهاد السمعاني لبيان الحق الناصع، وإيصاله إلى الناس في أزهى صوره، وأنقى أشكاله.

كلمة التوحيد " لا إله إلا الله "،والتي معناها: لا معبود بحق إلا الله تعالى، عند هذه الكلمة، تتهاوى كل الأهواء، وتسقط كل الآراء، وتتحطم كل القيود، ويذل الناس للرب المعبود. هذه الكلمة حصن مانع، أمام كل أنواع الطغيان البشري، بجميع صوره وأشكاله، فالتوحيد، تعبيد، وإيمان وعمل وترديد.

التوحيد ليس مجرد كلمة تُقال، ولا لفظ يُنال، التوحيد أعلى من ذلك، التوحيد إخلاص، والتوحيد يقين، والتوحيد استسلام، والتوحيد قبول، والتوحيد انقياد، والتوحيد رضا، والتوحيد خضوع، والتوحيد صدق، والتوحيد محبة، ولا يكون هذا إلا مع العلم بها، ولذا قال الله تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي هو أعلم الناس بهذه الكلمة وألزمهم بها، وأولهم تحقيقاً لمقتضاها،: " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " (محمد ١٩)، يقول الإمام السمعاني: " فإن قيل: كيف قال: " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " وقد عَلِمَ؟ والجواب من وجهين:

أحدهما: أن المراد منه: هو الثبات على العلم، لا ابتداء العلم.

والثاني: أن معناه: فاذكر أنه لا إله إلا الله، فعبَّر عن الذكر بالعلم؛ لحدوثه عنده، ويُقال: الخطاب مع الرسول، والمراد منه الأمة " (١)


(١) السمعاني: تفسير القرآن: ٥/ ١٧٧

<<  <   >  >>