للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هم؟ قال: من الكفر فَرُّوا، قيل: فمنافقين؟ قال: إنّ المنافقين لا يذكرون الله إلاّ قليلاً، وهؤلاء يذكرون الله كثيراً، قيل فما هم؟ قال: قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصَمُّوا " (١) ذلك أنّ الخليفة عليّ ـ رضي الله عنه ـ يقرأ قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ... (٩٤)} [النّساء].

ولذلك تورَّعَ أعلامُ العلماء المسلمين عن تكفير الخوارج، مع ما صَحَّ عنهم من أحاديث تصفهم بالمروق من الدِّين، وتأمر بقتلهم.

ولذلك قال النّووي: " ... وقد سبق الخلاف في تكفيرهم وأنّ الصَّحيح عدم تكفيرهم " (٢).

ومن تدبَّر الآيات والأحاديث عَلِم ما قلنا؛ فقد أثبت القرآن الأخوّة بين القاتل العمد وولي المقتول إن كان مسلماً، فقال تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ... (١٧٨)} [البقرة] فكلمة أخيه تفيد بأن القتل لا يقطع أخوّة الإيمان، فالكبائر لا تنقض الإيمان، وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ... (٩)} [الحجرات] فسمّاهم المؤمنين، بل أكّد الإيمان والأخوّة بينهما، فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)} [الحجرات].

ومن الأحاديث في هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار " (٣) فسمّاهما مسلمين رغم الاقتتال.

وهذا الحديث لا ينطبق على الصّحابة الّذين شاركوا في الجمل وصفّين، فإنّهم متأوّلون


(١) المصنّف " (ج ١٠/ص ١٥٠/ رقم ١٨٦٥٦) كتاب اللقطة، وأخرجه ابن أبي شيبة في " مصنّف ابن أبي شيبة " (م ١٥/ص ٣٣٢/رقم ١٩٧٨٨)، وفي آخره: " قال: قوم بغوا علينا " وأخرجه البيهقي من طريق آخر في " السّنن الكبرى " (م ٨/ص ١٧٤).
(٢) النّووي " صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٤/ج ٧/ص ١٦٥) كتاب الزّكاة.
(٣) البخاري " صحيح البخاري " (م ١/ج ١/ ص ١٣) كتاب الإيمان.

<<  <   >  >>