للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليّ ـ رضي الله عنه ـ فالمعنى اتّباع حكم الله في طاعة الخليفة، وليس في الحديث دعوة للخروج مع عليّ ـ رضي الله عنه ـ لمقاتلة أحد.

وأخرج عن الحكم عن أبي وائل قال: " قام عمّار على منبر الكوفة فذكر عائشةَ، وذكر مسيرها، وقال: إنّها زوجةُ نبيّكم - صلى الله عليه وسلم - في الدّنيا والآخرة، ولكنّها ممّا ابتُليتُم " (١).

ومراد عمّار ـ رضي الله عنه ـ أنّ الحقّ مع عليّ ـ رضي الله عنه ـ، وأنّ عائشة ـ رضي الله عنها ـ مخطئة في خروجها واجتهادها، ومع ذلك ما بَدَّلتْ وما خرجت عن الإسلام بما يجعلها تفارق النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ويمنعها من أن تكون زوجته - صلى الله عليه وسلم - في الدّنيا والآخرة، وما كان عمّار ليشهد لها أنّها زوجة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الآخرة إلاّ لشيء سمعه أو علمه، فضلاً عن علمه بحسن نيّتها، وأنّها متأوّلة مجتهدة مصيبة لأجر الاجتهاد، وأنّ خروجها ابتلاء من الله تعالى، وأنّ العبد يبتلى على قَدْر دينه.

وهذا القول من عمّار وشهادته بالفضل لعائشة ـ رضي الله عنها ـ واعتذاره عنها، وعدم بخسها حقّها يدلّ على علمه وورعه وتقواه وإنصافه لعائشة ـ رضي الله عنها ـ وتحرّيه الحقّ قولاً وعملاً؛ فمع أنّه كان يدعو لعليّ إلاّ أنّ ذلك لم يمنعه من التّحدّث بمنقبة عائشة ـ رضي الله عنها ـ، وفي ذلك مدّكر لمن أراد أن يدّكر؛ فهذا يكشف عن معادن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخيّرة، فقد قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:

" النّاسُ معادنُ كمعادِنِ الفضّة والذّهب، خِيَارُهُم في الجاهليّة خِيارُهُم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنودٌ مُجنّدةٌ، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف " (٢).

أمّا مَنْ يتعلّل بما رواه البخاري عن عمرو أنّه سمع أبا وائل يقول: " دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمّار حيث بعثه عليّ إلى أهل الكوفة يستنفرهم " (٣) ويظنّ أنّ علياً ـ رضي الله


(١) البخاري " صحيح البخاري" (م ٤/ج ٨/ ٩٧) كتاب الفتن.
(٢) مسلم بسنده إلى يزيد بن الأصمّ عن أبي هريرة بحديث يرفعه " صحيح مسلم بشرح النّوويّ " (م ٨/ج ١٦/ص ١٨٥) كتاب البرّ والصّلة والأدب.
(٣) البخاري " الصحيح " (م ٤/ج ٨/ ص ٩٨) كتاب الفتن.

<<  <   >  >>